حكم الله تعالى في الشهادات أن تكون على العلم في النفي , وعلى القطع في الإثبات. {قالت امرأة العزيز الآنَ حصحص الحق} معناه الآن تبين الحق ووضح , قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة. وأصله مأخوذ من قولهم حَصّ شعره إذا استأصل قطعه فظهرت مواضعه ومنه الحصة من الأرض إذا قطعت منها. فمعنى حصحص الحق أي انقطع عن الباطل بظهوره وبيانه. وفيه زيادة تضعيف دل عليها الاشتقاق مثل قوله:(كبوا , وكبكبوا) قاله الزجاج. وقال الشاعر:
(ألا مبلغ عني خداشاً فإنه ... كذوب إذا ما حصحص الحق ظالم)
{أنا راودته عن نفسه , وإنه لمن الصادقين} وهذا القول منها وإن لم تسأل عنه إظهار لتوبتها وتحقيق لصدق يوسف ونزاهته لأن إقرار المقر على نفسه أقوى من الشهادة عليه , فجمع الله تعالى ليوسف في إظهار صدقه الشهادة والإقرار حتى لا يخامر نفساً ظن ولا يخالجها شك. قوله عز وجل:{ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه قول امرأة العزيز عطفاً على ما تقدم , ذلك ليعلم يوسف أني لم أخنه بالغيب , يعني الآن في غيبه بالكذب عليه وإضافة السوء إليه لأن الله لا يهدي كيد الخائنين , حكاه ابن عيسى. الثاني: أنه قول يوسف بعد أن علم بظهور صدقه , وذلك ليعلم العزيز أني لم أخنه بالغيب عنه في زوجته , قاله ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي. {وأن الله لا يهدي كيد الخائنين} معناه وأن الله لا يهدي الخائنين بكيدهم.