واختلف أهل العلم في استقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المقدس , هل كان برأيه واجتهاده , أو كان عن أمر الله تعالى لقوله:{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ التَّي كُنْتَ عَلَيْهَا إلَاّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبعُ الرَّسُوُلَ} , وهذا قول ابن عباس وابن جريج. والقول الثاني: أنه كان يستقبلها برأيه واجتهاده , وهذا قول الحسن , وعكرمة , وأبي العالية , والربيع. واختلفوا في سبب اختياره بيت المقدس على قولين: أحدهما: أنه اختار بيت المقدس ليتألَّف أهل الكتاب , وهذا قول أبي جعفر الطبري. والثاني: لأن العرب كانت تحج البيت غير آلفة لبيت المقدس , فأحب الله أن يمتحنهم بغير ما ألفوه , ليعلم من يتبع ممن ينقلب على عَقِبَيْهِ , وهذا قول أبي إسحاق الزجاج , فلما استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة , قال ابن عباس: أتى رفاعة بن قيس وكعب بن الأشرف والربيع وكنانة بن أبي الحُقَيْقِ , فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ولاّك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملةِ إبراهيم ودينه؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها , نتبعك ونصدقك. وإنما يريدون فتنته عن دينه , فأنزل الله تعالى:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيها؟ قُل: لِلَّهِ الْمَشْرِقْ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقيمٍ} يعني حيثما أمر الله تعالى باستقباله من مشرق أو مغرب والصراط: الطريق: والمستقيم: المستوي. قوله تعالى:{وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}. فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: يعني خياراً , من قولهم فلان وسط الحَسَبِ في قومه , إذا أرادوا بذلك الرفيع في حسبه , ومنه قول زهير: