والثاني: أن الوسط من التوسط في الأمور , لأن المسلمين تَوَسَّطُوا في الدين , فلا هم أهل غلوٍّ فيه , ولا هم أهل تقصير فيه , كاليهود الذين بدَّلوا كتاب الله وقتَّلوا أنبياءهم وكَذَبوا على ربهم , فوصفهم الله تعالى بأنهم وسط , لأن أحب الأمور إليه أوسطها. والثالث: يريد بالوسط: عدلاً , لأن العدل وسط بين الزيادة والنقصان , وقد روى أبو سعيد الخدري , عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمَّةً وَسَطاً} أي عَدْلاً. {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: لتشهدوا على أهل الكتاب , بتبليغ الرسول إليهم رسالة ربهم. والثاني: لتشهدوا على الأمم السالفة , بتبليغ أنبيائهم إليهم رسالة ربهم , وهذا مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم , أن الأمم السالفة تقول لهم: كيف تشهدون علينا ولم تشاهدونا , فيقولون أعْلَمَنَا نبيُّ الله بما أُنْزِلَ عليه من كتاب الله. والثالث: أن معنى قوله: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} أي لتكونوا مُحْتَجِّينَ على الأمم كلها , فعبر عن الاحتجاج بالشهادة , وهذا قول حكاه الزجاج.