{وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: يكون الرسول شهيداً على أمته أنْ قد بلّغ إليهم رسالة ربه. والثاني: أنّ معنى ذلك أنْ يكون شهيداً لهم بإيمانهم , وتكون (عليهم) بمعنى (لهم). والثالث: أن معنى قوله: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُمْ شَهِيداً} أي مُحْتَجّاً. {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا} أي بيت المقدس , {إلاّ لِنَعَلَمَ مَن يَتَّبعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} فإن قيل: الله أعلم بالأشياء قبل كونها , فكيف جعل تحويل القِبْلة طريقاً إلى علمه؟ قيل: في قوله: {إلَاّ لِنَعْلَمَ} أربعة تأويلات: أحدها: يعني إلا ليعلم رسولي , وحزبي , وأوليائي؛ لأن من شأن العرب إضافة ما فعله أتْباعُ الرئيس إليه , كما قالوا: فتح عمرُ بنُ الخطاب سوادَ العراق وجبي خَرَاجَهَا. والثاني: أن قوله تعالى: {إلَاّ لِنَعْلَمَ} بمعنى: إلا لنرى , والعرب قد تضع العلمَ مكان الرؤية , والرؤية مكان العلم , كما قال تعالى {ألَمْ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأصْحَابِ الْفِيلِ}[الفيل: ١] يعني: ألم تعلم. والثالث: قوله تعالى: {إلَاّ لِنَعْلَمَ} بمعنى إلا لتعلموا أننا نعلم , فإنّ المنافقين كانوا في شك من علم الله بالأشياء قبل كونها. والرابع: أن قوله: {إلَاّ لِنَعْلَمَ} بمعنى إلا لنميز أهل اليقين من أهل الشك , وهذا قول ابن عباس. قوله تعالى:{مَن يَتَّبعُ الرَّسُولَ} بمعنى فيما أمر به من استقبال الكعبة {مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} بمعنى: ممن يَرْتَدُّ عن دينه , لأن المرتد راجع مُنْقَلِب عما كان عليه , فشبهه بالمُنْقلِب على عقبه , لأن القبلة لمَّا حُوِّلَتْ ارْتَدَّ من المسلمين قَوْمٌ , ونافق قوم , وقالت اليهود: إن محمداً قد اشتاق إلى بلد أبيه , وقالت قريش: إن محمداً قد علم أننا على هدى وسَيُتَابِعُنَا.