راعياً فعلى هذا يكون ذلك من توطئة لنبوته من بعد. ثم إن طالوت ندم على ما بذله لداود من مشاطرته ملكه وتزويجه ابنته , واختلفوا هل كان ندمه قبل تزويجه ومشاطرته , أم بعد , على قولين: أحدهما: أن طالوت وَفَّى بشرطه , وزوج داود بإبنته , وخلطه في ملكه بنفسه ثم حسده , فندم , وأراد قتله , فعلمت بنته بأنه يريد قتل زوجها , وكانت من أعقل النساء , فنصبت له زِق خمر بالمسك , وألقت عليه ليلاً ثياب داود , فأقبل طالوت , وقال لها: أين زوجك؟ فأشارت إلى الزق , فضربه بالسيف , فانفجر منه الخمر وسطع ريح المسك , فقال يرحمك الله يا داود طبت حياً وميتاً , ثم أدركته الندامة , فجعل ينوح عليه ويبكي , فلما نظرت الجارية إلى جَزَعِ أبيها , أخبرته الخبر , ففرح , وقاسم داود على شطر ملكه , وهذا قول الضحاك , فعلى هذا يكون طالوت على طاعته حين موته , لتوبته من معصيته. والقول الثاني: أنه ندم قبل تزويجه على شرطه وبذله , وعرّض داود للقتل , وقال له إن بنات الملوك لا بد لهن من صداق أمثالهن , وأنت رجل جريء , فاجعل صداقها قتل ثلاثمائة من أعدائنا , وكان يرجو بذلك أن يقتل , فغزا داود وأسر ثلاثمائة , فلم يجد طالوت بداً من تزويجه , فزوجه بها , وزاد ندامة فأراد قتله , وكان يدس عليه حتى مات , وهذا قول وهب بن منبه , فعلى هذا مات طالوت على معصيته لأنه لم يتب من ذنبه. وروى مكحول , عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ المُلُوكَ قَدْ قَطَعَ اللهُ أَرْحَامَهُم فَلَا يَتَوَاصَلُونَ حُبَّاً لِلْمُلْك حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُم لَيَقْتُلَ الأَبَ وَالإِبْنَ وَالأَخَ وَالعَمَّ , إِلَاّ أَهْلُ التَّقْوَى وَقَلِيلٌ مَّا هُم , وَلَزوَالُ جَبَلٍ عَن مَّوضِعِهِ أَهْوَنُ مِنْ زَوَالِ مُلْكِ لَمْ يَنْقَضِ). {وَءَاتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} يعني داود , يريد بالملك السلطان وبالحكمة النبوة وكان ذلك عند موت طالوت بعد سبع سنين من قتل جالوت على ما حكاه ابن السائب.