وقد روى أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن أبيه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: (أَرَأَيْتَ إِبلَكَ تَكُونَ مُسَلَّمَةً آذَانُهَا فَتَأْخُذَ المُوسَى فَتَجْدَعَهَا تَقُولُ هَذِهِ بَحِيْرَةٌ , وَتَشُقُّونَ آذَانَهَا تَقُولُونَ هَذِهِ بَحِيْرَةٌ) قال: فإن ساعِدَ الله أشدُّ , وموسى الله أحد , كل مالك لك حلال لا يحرم عليك منه شيء. وفي البحيرة ثلاثة أقاويل: أحدها: أن البحيرة الناقة إذا ولدت خمسة أبطن , فإن كان الخامس ذكراً أكلته الرجال دون النساء , وإن كانت أنثى بحروا أذنها أي شقوها , وتركت , فلا يشرب لها لبن , ولا تنحر , ولا تركب , وإن كان ميتة اشترك فيه الرجال والنساء , قاله عكرمة. والقول الثاني: البحيرة الناقة التي تنجب خمسة أبطن , فكان آخرها ميتاً ذكراً شقوا أذن الناقة وخلوا عنها , فلا تُحْلَب وَلَا تُرْكَب تحرجاً , قاله أبو عبيدة. والقول الثالث: أن البحيرة بنت السائبة , قاله أبو إسحاق , وأما السائبة , فإنها المسيبة المخلاة وكانت العرب تفعل ذلك ببعض مواشيها فتحرم الانتفاع بها على أنفسها تقرباً إلى الله تعالى , قال الشاعر:
(عقرتم ناقة كانت لربي ... وسائبة فقوموا للعقاب)
وكذا كان بعض أهل الإِسلام يعتق عبده سائبة , ولا ينتفع به ولا بولائه , وكان أبو العالية سائبة فلما أُتِي مولاه بميراثه فقال: هو سائبة وأبى أن يأخذه. وأخرجت المسيبة بلفظ السائبة , كما قيل في عيشة راضية يعني مرضية , وفي السائبة قولان: أحدهما: أنها الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس فيهن ذكر سُيِّبَتْ فلم يُرْكَب ظهرها ولم يُجَزّ وبرها ولم يَشْرَب لبنَها إلا ضيفٌ , وما نتجت بعد ذلك من أنثى شق أُذُنُها , وسميت بحيرة , وخُلِّيَتْ مع أمها , قاله محمد بن إسحاق. والقول الثاني: أنهم كانوا ينذرون السائبة عند المرض فيسيب الرجل بعيره