الدالة على صدق رسوله وصحة نبوته , أظهر من أن يُخْفَى , وأكثر من أن ينكر , وأن القرآن مع عجز من تحداهم الله من الآيات بمثله , وما تضمنه من أخبار الغيوب وصدق خبره عما كان ويكون أبلغ الآيات وأظهر المعجزات. وإنما اقترحوا آية سألوها إعناتاً , فلم يجابوا مع قدرة الله تعالى على إنزالها , لأنه لو أجابهم إليها لاقترحوا غيرها إلى ما لا نهاية له , حتى ينقطع الرسول بإظهار الآيات عن تبليغ الرسالة. وإنما يلزمه إظهار الآيات في موضعين: أحدهما: عند بعثه رسولاً ليكون مع استدعائه لهم دليل على صدقه. والثاني: أن يسألها من يعلم الله منه أنه إن أظهرها له آمن به , وليس يلزمه إظهارها في غير هذين الموضعين. قوله عز وجل:{وَمَا من دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ} دابة بمعنى ما يدب على الأرض من حيوان كله. {وَلَا طَآئِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} يعني في الهواء , جميع بين ما هو على الأرض وفيها وما ارتفع عنها. {إِلَاّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم} في الأمم تأويلان: أحدهما: أنها الجماعات. والثاني: أنها الأجناس , قاله الفراء. وليس يريد بقوله:{أَمْثَالُكُم} في التكليف كما جعل قوم اشتبه الظاهر عليهم وتعلقوا مع اشتباه الظاهر برواية أبي ذر , قال: انتطحت شاتان عند النبي صلى الله عليه وسلم , فقال: يا أبا ذر أتدري فيم انتطحتا؟ قلت: لا , قال:(لَكِنَّ اللَّهَ يَدْرِي وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا) قال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر بجناحيه في السماء إلا ذكّرنا منه علماً , لأنه إذا كان العقل سبباً للتكليف كان عدمه لارتفاع التكليف.