للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} (١): «لقائل أن يقول: إنه تعالى قال: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} (٢)، فقدم ذكر النفس على ذكر المال، وفي الآية التي نحن فيها وهي قوله (والمجاهدون بأموالهم وأنفسهم) قدم ذكر المال على النفس، فما السبب فيه؟

وجوابه: أن النفس أشرف من المال، فالمشتري قدم ذكر النفس تنبيهًا على أن الرغبة فيها أشد، والبائع أخر ذكرها تنبيهًا على أن المضايقة فيها أشد، فلا يرضى ببذلها إلا في آخر المراتب» (٣).

[النوع الثاني: المتشابه بالإبدال]

ومن ذلك ما ذكره في تفسير قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} (٤).

لقائل أن يقول: إنه تعالى قال ههنا (وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا) وقال في الأعراف (فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا) فعطف " كلا " على قوله " اسكن" في سورة البقرة بالواو وفي سورة الأعراف بالفاء فما الحكمة؟

الجواب: كل فعل عطف عليه شئ، وكان الفعل بمنزلة الشرط، وذلك الشئ بمنزلة الجزء عطف الثاني على الأول بالفاء دون الواو كقوله تعالى {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا} (٥) فعطف كلوا على قوله اسكنوا بالواو دون الفاء لما كان وجود الأكل متعلقًا بدخولها فكأنه قال إن أدخلتموها أكلتم منها، فالدخول موصول إلى الأكل، والأكل متعلق وجوده بوجوده يبين ذلك قوله تعالى في مثل هذه الآية من سورة الأعراف {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ} (٦)، فعطف كلوا على قوله اسكنوا بالواو دون الفاء؛ لأن اسكنوا من السكنى وهي المقام مع طول اللبث والأكل لا يختص وجوده بوجوده لأن لأن من دخل بستانًا قد يأكل


(١) سورة النساء، الآية: (٩٥).
(٢) سورة التوبة، الآية: (١١١).
(٣) التفسير الكبير م ١١/ ٨).
(٤) سورة البقرة، الآية: (٣٥).
(٥) سورة البقرة، الآية: (٥٨).
(٦) سورة الأعراف، الآية: (١٦١).

<<  <   >  >>