للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسألة الثالثة: عند تفسيره لقول الله عز وجل: {فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} (١) قال: «وقدم مفعول {تَقْتُلُونَ} لأن القتل وقع على الرجال وكانوا مشهورين وكان الاعتناء بحالهم أهم ولم يكن في المأسورين هذا الاعتناء بل الاعتناء هناك بالأسر أشد، ولو قيل: وفريقاً تأسرون لربما ظن قبل سماع تأسرون أنه يقال بعد تهزمون: أو نحو ذلك، وقيل: قدم المفعول في الجملة الأولى لأن مساق الكلام لتفصيله وأخر في الثانية لمراعاة الفواصل، وقيل التقديم لذلك وأما التأخير فلئلا يفصل بين القتل وأخيه وهو الأسر فاصل، وقيل: غوير بين الجملتين في النظم لتغاير حال الفريقين في الواقع فقد قدم أحدهما فقتل وأخر الآخر فأسر» (٢).

في هذه المسألة نقل الإمام الألوسي عدة آراء في تقديم مفعول وتأخير مفعول (تأسرون)، وذكر منها مراعاة الفواصل. (تقتلون).

[ثانيا: الإمام الألوسي أحيانا يحاول الجمع بين موضعي المتشابه اللفظي.]

مثال ذلك: عند تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} (٣) قال: «ولا تنافي بين هذا وقوله سبحانه: {وَفَجَّرْنَا الارض عُيُوناً} (٤) إذ يمكن أن يكون التفجير غير الفوران فحصل الفوران للتنور والتفجير للأرض، أو يراد بالأرض أماكن التنانير، ووزنه تفعول من النور، وأصله تنوور فقلبت الواو الأولى همزة لانضمامها، ثم حذفت تخفيفاً، ثم شددت النون عوضاً عما حذف، ونقل هذا عن ثعلب» (٥).

فقد قال الإمام الألوسي: (لا تنافي)، وحاول الجمع بين موضعي المتشابه.


(١) سورة الأحزاب، الآية: (٢٦).
(٢) روح المعاني، (١١/ ١٧٢)، نوع المتشابه في هذه المسألة: متشابه بالتقديم والتأخير.
(٣) سورة هود، الآية: (٤٠).
(٤) سورة القمر، الآية: (١٢).
(٥) روح المعاني، (٦/ ٢٥١).

<<  <   >  >>