للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا ثبت هذا فنقول: أن القوم كانوا يبالغون في السفاهة على نوح عليه السلام، ثم أنه في اليوم الثاني كان يعود إليهم ويدعوهم إلى الله، وقد ذكر تعالى عنه ذلك فقال: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} (١) فلما كانت عادة نوح عليه السلام العود إلى تجديد تلك الدعوة في كل يوم وفي كل ساعة لا جرم ذكره بصيغة الفعل، فقال (وَأَنْصَحُ لَكُمْ) وأما هود عليه السلام فقال (وأنا لكم ناصح) يدل على كونه مثبتًا في تلك النصيحة مستقرًا فيها» (٢).

[النوع التاسع: المتشابه بالإجمال والتفصيل]

ومن ذلك قوله في تفسير قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} (٣): «فإن قيل: وما الحكمة ههنا من ذكر الثلاثين ثم إتمامها بعشر؟ وأيضًا فقوله (فتم ميقات ربه أربعين ليلة) كلام عار عن الفائدة، لأن كل أحد يعلم أن الثلاثين مع العشر يكون أربعين.

قلنا أما الجواب عن السؤال الأول من وجوه:

الوجه الأول: أنه تعالى أمر موسى عليه وسلم يصوم ثلاثين يومًا وهو شهر ذي القعدة فلم أتم الثلاثين أنكر خلوف فيه فتسوك فقالت الملائكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فأوحى الله تعالى إليه أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك، فأمره الله تعالى أن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة لهذا السبب.

الوجه الثاني: في فائدة هذا التفضيل أن الله أمره أن يصوم ثلاثين يومًا وأن يعمل فيها ما يقربه إلى الله تعالى ثم أنزلت التوارة عليه في العشر البواقي، وكلمه أيضًا فيه. فهذا هو الفائدة في تفصيل الأربعين إلى الثلاثين وإلى العشرة.

الوجه الثالث: ما ذكره أبو مسلم الأصفهاني في سورة طه ما دل على أن موسى بادر إلى ميقات ربه قبل موته، والدليل عليه قوله تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى


(١) سورة نوح، الآية: (٥).
(٢) التفسير الكبير، (١٤/ ١٦٢).
(٣) سورة الأعراف، الآية: (١٤٢).

<<  <   >  >>