للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مثال آخر: عند تفسيره لقول الله عز وجل: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (١).

قال: «وقد ذكر الخير على ذكر السوء لمناسبة ما قبل حيث قدم فيه ذكر النفع على ذكر الضر وسلك في ذكرهما هناك كذلك مسلك الترقي على ما قيل: فإن دفع المضار أهم من جلب المنافع، وذكر النيسابوري أن أكثر ما جاء في القرآن إذ يؤتى بالضر والنفع معًا تقديم لفظ الضرعلى النفع وهو الأصل؛ لأن العابد إنما يعبد معبوده خوفًا من عقابه أولًا ثم يعبده طمعا في ثوابه ثانيا كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} وحيث تقدم النفع على الضر كان ذلك لسبق لفظ تضمن معنى نفع كما في هذه السورة حيث تقدم آنفاً لفظ الهداية على الضلال في قوله تعالى: {مَنْ يَهْدِ الله فَهُوَ المهتدى وَمَنْ يُضْلِلْ} (٢) الخ وفي الرعد تقدم ذكر الطوع في قوله سبحانه: {طَوْعًا وَكَرْهًا} (٣) وهو نفع، وفي الفرقان تقدم العذب في قوله جل وعلا: {هذا عَذَابٌ فُرَاتٌ} (٤) وهو نفع، وفي سبأ تقدم البسط في قوله تبارك اسمه: {رَبّى يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَاء وَيَقْدِرُ} (٥)، وليقس على هذا غيره، وابن جريح يفسر النفع هنا بالهدى والضر بالضلال، وبه تقوى نكتة التقديم التي اعتبرها هذا الفاضل فيما نحن فيه كما لا يخفى» (٦).

[النوع الثاني: المتشابه بالإبدال]

ومن ذلك قوله عند تفسيره قوله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (٧): «إلا أنه استشكل ذلك بأنه حينئذٍ يلزم التعارض بين ما هنا وقوله تعالى في سورة يس: {اليوم نَخْتِمُ على أفواههم} (٨) الآية لأن الختم على الأفواه ينافي شهادة الألسن.


(١) سورة الأعراف، الآية: (١٨٨).
(٢) سورة الأعراف، الآية: (١٧٨).
(٣) سورة الرعد، الآية: (١٥).
(٤) سورة الفرقان، الآية: (٥٣).
(٥) سورة سبأ، الآية: (٣٦).
(٦) روح المعاني، (٥/ ١٢٧).
(٧) شورة النور، الآية: (٢٤).
(٨) سورة يس، الآية: (٦٥).

<<  <   >  >>