للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«واعلم أن هذه القصة قد ذكرت في عدة سور وقد ترك في بعضها بعض ما ذكر في البعض الآخر للإيجاز ثقة ما ذكر في ذلك وقد يكون فيها في موضعين مثلاً لفظان متحدان مآلا مختلفان لفظاً رعاية للتفنن، وقد يحمل الاختلاف على تعدد الصدور فيقال مثلاً: إن اللعين أقسم مرة بالعزة فحكى ذلك في سورة {ص} بقوله تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ} وأخرى بإغواء الله تعالى الذي هو أثر من آثار قدرته وعزته عز وجل وحكم من أحكام سلطانه فحكى ذلك في سورة الأعراف: بقوله تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى} (١)، وقد يحمل الاختلاف على اختلاف المقامات كترك الفاء من قوله: {يُنظرنِى إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (٢)، ومن قوله تعالى: {إِنَّكَ مِنَ المنظرين} (٣)، في الأعراف مع ذكرها فيهما في {ص} والذي يجب اعتباره في نقل الكلام إنما هو أصل معناه ونفس مدلوله الذي يفيده وأما كيفية إفادته له فليس مما يجب مراعاته عند النقل البتة بل قد تراعي وقد لا تراعي حسب اقتضاء المقام، ولا يقدح في أصل الكلام تجريده عنها بل قد تراعي عند نقله كيفيات وخصوصيات لم يراعها المتكلم أصلاً حيث أن مقام الحكاية اقتضتها وهي ملاك الأمر ولا يخل ذلك بكون المنقول أصل المعنى كما قد حققه صدر المفتين أبو السعود وأطال الكلام فيه فليراجع» (٤).

[النوع العاشر: المتشابه بالإضافة وعدمها]

ومن ذلك قوله عند تفسير قول الله عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} (٥): «وإنما قال سبحانه هنا {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} وفيما يأتي {وَلَوْ شَاء الله مَا فَعَلُوهُ} (٦) فغاير بين الاسمين في المحلين لما ذكر بعضهم وهو أن ما قبل هذه الآية من عداوتهم له عليه الصلاة والسلام كسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام التي لو شاء منعهم عنها فلا يصلون إلى المضرة أصلاً يقتضي ذكره جل شأنه بهذا العنوان إشارة إلى أنه مربيه صلى الله


(١) سورة الأعراف، الآية: (١٦).
(٢) سورة الأعراف، الآية: (١٤).
(٣) سورة الأعراف، الآية: (١٥).
(٤) روح المعاني، (١٢/ ٢١٩ - ٢٢٠).
(٥) سورة الأنعام، الآية: (١١٢).
(٦) سورة الأنعام، الآية: (١٣٧).

<<  <   >  >>