للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ج. إلا أنه أحيانًا بعض التوجيه في الآية الأولى (الموضع الأول) ولكنه يفصله أكثر في الآية الثانية (الموضع الثاني).

مثال ذلك: عند تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (١) قال: «بقي هاهنا: بيان النكتة في تغيير الأسلوب حيث قدم في الظاهر هاهنا وفي {حم} السجدة خلق الأرض وما فيها على خلق السموات وعكس في النازعات ولعل ذلك لأن المقام في الأولين مقام الامتنان فمقتضاه تقديم ما هو نعمة نظراً إلى المخاطبين فكأنه قال سبحانه وتعالى: هو الذي دبر أمركم قبل خلق السماء قم خلق السماء، والمقام في الثالثة مقام بيان كمال القدرة فمقتضاه تقديم ما هو أدل على كمالها، هذا والذي يفهم من بعض عبارات القوم قدس الله تعالى أسرارهم أن المحدد ويقال له سماء أيضاً مخلوق قبل الأرض وما فيها، وأن الأرض نفسها خلقت بعد، ثم بعد خلقها خلقت السموات السبع، ثم بعد السبع خلق ما في الأرض من معادن ونبات، ثم ظهر عالم الحيوان، ثم عالم الإنسان، فمعنى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِى الارض} حينئذ قدره أو أراد إيجاده أو أوجد مواذه، ومعنى {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ} الخ في الآية الأخرى على نحو هذا، وخلق الأرض فيها على ظاهره ولا يأباه قوله سبحانه: {فَقَالَ لَهَا وَلِلاْرْضِ ائتيا} الخ لجواز حمله على معنى ائتيا بما خلقت فيكما من التأثير والتأثر وإبراز ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة والكائنات المتنوعة، أو إتيان السماء حدوثها وإتيان الأرض أن تصير مدحوة أو ليأت كل منكما الأخرى في حدوث ما أريد توليده منكما، وبعد هذا كله لا يخلو البحث من صعوبة، ولا زال الناس يستصعبونه من عهد الصحابة رضي الله تعالى عنهم إلى الآن، ولنا فيه إن شاء الله تعالى عودة بعد عودة، ونسأل الله تعالى التوفيق» (٢).

فالإمام الألوسي عند تفسيره لسورة البقرة (الموضع الأول للمتشابه) ذكر التوجيه مختصرًا، وعند تفسيره لسورة فصلت أعاد التوجيه مرة أخرى وأطال جدًا وذكر الكثير من الآراء (٣).


(١) سورة البقرة، الآية: (٢٩).
(٢) روح المعاني، (١/ ٢١٩).
(٣) يُنظر نص المسألة: روح المعاني، (١٢/ ٣٥٧).

<<  <   >  >>