للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعده {وَجَعَلُوا للَّهِ أَندَادًا} فكان ذلك نصاً على ما فعلوا من القبائح من الظلم والكفران ناسب أن يختم بذم من وقع ذلك منه فختمت الآية بقوله سبحانه: {إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} وأما في النحل فلما ذكر عدة تفضلات وأطنب فيها وقال جل شأنه: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لاَّ يَخْلُقُ} أي من أوجد هذه النعم السابق ذكرها ليس كمن لا يقدر على الخلق ذكر من تفضلاته تعالى اتصافه بالغفران والرحمة تحريضاً على الرجوع إليه سبحانه وأن هاتين الصفتين هو جل وعلا متصف بهما كما هو متصف بالخلق، ففي ذلك أطماع لمن آمن به تعالى وانتقل من عبادة المخلوق إلى عبادة الخالق تبارك وتعالى أنه يغفر السابق ويرحمه، وأيضاً فإنه لما ذكر أنه تعالى هو المتفضل بالنعم على الإنسان ذكر ما حصل من المنعم ومن جنس المنعم عليه، فحصل من المنعم ما يناسب حالة عطائه وهو الغفران والرحمة إذ لولاهما لما أنعم عليه، وحصل من جنس المنعم عليه ما يناسب حالة الإنعام عليه ويقع معها في الجملة وهو الظلم والكفران فكأنه قيل: إن صدر من الإنسان ظلم فالله تعالى غفور أو كفران فالله تعالى رحيم لعلمه بعجز الإنسان وقصوره. وما نقل السخاوي عن عبد الرحمن بن أسلم من أن هذه الآية منسوخة بآية النحل مما لا يلتفت إليه انتهى كلامه.

وفيه بحث، وقيل: إنما ختم سبحانه آية النحل بما ختم للإطناب هناك في ذكر النعم مع تقدم الدعوة إلى الشكر صريحاً فكان ذلك مظنة التقصير فيه ويناسب الإطناب في سرد النعم أن يذكر منها ما يتعلق بذلك وهو الغفران والرحمة فتأمل والله تعالى أعلم بأسرار كتابه» (١)

بعرض رأي الإمامين يتضح أن الإمام الرازي وجه الموضع الثاني للمتشابه (سورة النحل)، لكنه لم يوجه الموضع الأول للمتشابه (سورة إبراهيم)، بينما نقل الإمام الألوسي رأي الإمام أبي حيان وقد وجه الموضعين، ثم نقل رأي السخاوي عن عبد الرحمن بن أسلم واعترض عليه وقال: أنه لا يُلتفت إليه.

وقد اتفق الإمام ابن الزبير مع ما قاله الإمام أبي حيان ونقله الإمام الألوسي (٢).


(١) روح المعاني، (٧/ ٢١٦).
(٢) يُنظر نص المسألة: ملاك التأويل (١/ ٧١٨ - ٧٢٠).

<<  <   >  >>