للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

*مثال آخر: قال الإمام الرازي: «فإن قيل: ما الفائدة في أنه تعالى قال في صفة المنافقين: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} (١)، وههنا قال في صفة المؤمنين {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (٢) فلم ذكر في المنافقين لفظ (من) وفي المؤمنين لفظ {أَوْلِيَاءُ}؟

قلنا: قوله في صفة المنافقين: {بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} يدل على نفاق الأتباع، كالأمر المتفرع من نفاق الأسلاف، والأمر في نفسه كذلك، لأن نفاق الأتباع وكفرهم حصل بسبب التقليد لأولئك الأكابر، وبسبب مقتضى الهوى والطبيعة والعادة، بل بسبب المشاركة في الاستدلال والتوفيق والهداية، فلهذا السبب قال تعالى في المنافقين {بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} وقال في المؤمنين {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}» (٣).

*وأحيانا يذكر الموضعين ثم يذكر (فما الفرق)، تمامًا كما فعل علماء المتشابه اللفظي في كتبهم التي خصصوها لتوجيه المتشابه اللفظي.

مثال: قال الإمام الرازي: «فإن قيل: قال ههنا: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (٤) ذكر الحق بالألف واللام معرفة، وقال في سورة آل عمران {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ} (٥) نكرة وكذلك في هذه السورة {وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (٦) فما الفرق؟ الجواب: الحق معلوم فيما بين المسلمين الذي يوجب القتل، قال عليه السلام: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير حق» (٧)، فالحق المذكور بحرف التعريف إشارة إلى هذا وأما


(١) سورة التوبة، الآية: (٦٧).
(٢) سورة التوبة، الآية: (٧١).
(٣) االتفسير الكبير (١٦/ ١٣٤).
(٤) سورة البقرة، الآية: (٦١).
(٥) سورة آل عمران، الآية: (٢١).
(٦) سورة آل عمران، الآية: (١١٢).
(٧) رواه النسائي في «سننه»، كتاب تحريم الدم، ذكر ما يحل به دم المسلم (٧/ ٩١)، حديث رقم: (٤٠١٧). من حديث عائشة. والحديث أصله متفق عليه رواه البخاري في «صحيحه»، كتاب الديات، باب قول الله تعالى: {أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصا/ فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [المائدة: ٤٥]، صحيح البخاري (٩/ ٥)، حديث رقم: (٦٨٧٨)، ومسلم في «صحيحه»، كتاب القسامة والمحاربين والقصا/ والديات، باب ما يباح به دم المسلم (٣/ ١٣٠٢)، حديث رقم: (١٦٧٦) من حديث عبد الله بن عمر بلفظ: «لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة».

<<  <   >  >>