للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: قوله (في بطونه) أي في بطون ما ذكرناه، وهذا جواب الكسائي، قال المبرد: هذا شائع في القرآن، قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي} (١) يعني هذا الشئ الطالع ربي، وقال {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} (٢) أي ذكر هذا الشئ.

واعلم أن هذا يجوز فيما يكون تأنيثه غير حقيقي، أما الذي تأنيثه حقيقًا، فلا يجوز، فإنه لا يجوز في مستقيم الكلام أن يقال جاريتك ذهب، ولا غلامك ذهبت على تقدير أن نحمله على النسمة، الثالث: أن فيه إضمارًا، والتقدير: نسقيكم مما في بطونه اللبن إذ ليس كلها ذات لبن)) (٣)

*وقال أيضًا في الفرق بين {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ} (٤)، و {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ} (٥)، في سورتي البقرة والجمعة: «فإن قيل: إنه تعالى قال هاهنا: ولن يتمنوه أبدا وقال في سورة الجمعة: ولا يتمنونه أبدا فلم ذكر هاهنا (لن) وفي سورة الجمعة «لا» قلنا: إنهم في هذه السورة، ادعوا أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس وادعوا في سورة الجمعة أنهم أولياء لله من دون الناس والله تعالى أبطل هذين الأمرين بأنه لو كان كذلك لوجب أن يتمنوا الموت والدعوى الأولى أعظم من الثانية إذ السعادة القصوى هي الحصول في دار الثواب، وأما مرتبة الولاية فهي وإن كانت شريفة إلا أنها إنما تراد ليتوسل بها إلى الجنة فلما كانت الدعوة الأولى أعظم لا جرم بين تعالى فساد قولهم بلفظ: «لن» لأنه أقوى الألفاظ النافية ولما كانت الدعوى الثانية ليست في غاية العظمة لا جرم اكتفى في إبطالها بلفظ «لا» لأنه ليس في نهاية القوة في إفادة معنى النفي والله أعلم» (٦).

*من خلال هذه الأمثلة وغيرها يتضح اعتماد الإمام الرازي على علم النحو في توجيه المتشابه اللفظي في القرآن الكريم، وهذا ما قام به في مسائل كثيرة (٧).


(١) سورة الأنعام، الآية: (٧٨).
(٢) سورة عبس، الآيتان: (١١، ١٢).
(٣) التفسير الكبير (٢٠/ ٦٦)
(٤) سورة البقرة، الآية: (٩٥).
(٥) سورة الجمعة، الآية: (٧).
(٦) التفسير الكبير، (٣/ ٢٠٧).
(٧) يُنظر: التفسير الكبير (٣/ ١٥٢ - ١٥٣، ٢٥/ ١١٦).

<<  <   >  >>