للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته)) (١).

إن المسلم التقى يجتنب الغيبة الظاهرة والخفية، حرصا منه على ألا يكون

آكلا لحم أخيه بحال، وتنزيها للسانه أن يكبه في النار، كما جاء في تحذير النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ حين أخذ بلسانه وقال: ((كف عليك هذا) فقال معاذ: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو قال: على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم؟)) (٢).

إن الغيبه خلق ذميم، لا يتصف به الرجال، وإنما يتصف به أشباه الرجال الجبناء من ذوي الوجهين الذين يغتابون إخوانهم وأصدقاءهم أمام الناس، فإذا لقوهم هشوا لهم وبشوا وتظاهروا بالصداقة والود، ومن هنا كان المسلم الحق أبعد الناس عن الغيبة والتلون بلونين، لأن الإسلام علمه الرجولة، ولقنه الاستقامة، وحبب إليه التقوى في القول والعمل، وكره إليه النفاق والتلون والتذبذب، بل نفره من هذه الخصال تنفيرا، حين جعل ذا الوجهين من شرار الناس عند الله، وذلك في قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:

((تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه)) (٣).

إن للمسلم الحق وجها واحدا، لا وجهين، وإنه لوجه أغر أبلج مشرق واضح، لا يلقى به قوما دون قوم، بل يلقى به الناس جميعا، لأنه يعلم أن اتخاذ الوجهين هو النفاق بعينه، والإسلام والنفاق لا يجتمعان، وأن ذا الوجهين منافق، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار.


(١) رواه مسلم.
(٢) حديث حسن صحيح، رواه ابن ماجه.
(٣) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

<<  <   >  >>