للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقدم تميم بن أسيد إلى المدينة، ليسأل عن أحكام الإسلام، فلا يجد هذا الرجل الغريب أمامه مانعا أو حاجبا يحول بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الرجل الأول في الدولة الإسلامية، وهو على المنبر يخطب في الناس، فيتقدم إليه سائلا مستفسرا، فيقبل عليه الرسول الكريم بكل بساطة وتواضع وحنو، ويجيبه إلى سؤله. ولندع تميما يحدثنا عن ذلك كله، فيما رواه عنه الإمام مسلم، قال:

((انتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يخطب، فقلت: يا رسول الله، رجل غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه؟ فأقبل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وترك خطبته حتى انتهى إلي، فأتي بكرسي، فقعد عليه وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته فأتم آخرها)).

ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغرس في نفوس الصحابة خلق التواضع المبني على السماحة ولين الجانب ودماثة الطبع، فيقول:

((لو دعيت إلى ذراع أو كراع (١) لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت)) (٢).

فيا للتواضع في أجلى صوره! ويا للعظمة الإنسانية في أسمى معانيها!

[لا يسخر من أحد]

والشخصية الإسلامية التي أشربت حب التواضع بعيدة كل البعد عن احتقار الناس والسخرية منهم؛ ذلك أن الهدي القرآني الذي غرس فيها حب التواضع والبعد عن الكبر والاستعلاء، نهاها في الوقت ذاته عن السخرية من الناس واحتقارهم:


(١) الكراع من الدابة: ما بين الركبة إلى الساق.
(٢) رواه البخاري.

<<  <   >  >>