أن أنهاه قراءة. فلما فرغ منه قال لي: اجلس الآن حيث شئت، فإن هذا علم، أنت أستاذي فيه، وأنا أستفيد منه، وأتتلمذ عليك، وليس من الأدب أن يجلس التلميذ إلا بين يدي الأستاذ فقمت من مقامي، وجلس هو في منصبه، ثم أخذت أقرأ عليه، وأنا جالس بحيث كان أولا)).
وقال ياقوت بعد إيراده هذا الخبر:((وهذا لعمري من حسن الأدب حسن، ولا سيما من مثل ذلك الرجل العظيم المرتبة)).
ألا ما أحب العلم إلى قلوب هؤلاء العلماء! وما أجله في نفوسهم! وما أرفعه في أعينهم! وما أحرج الخلف إلى الاقتداء بهذا السلف العظيم!
[ما ينبغي للمسلم إتقانه]
وأول ما ينبغي للمسلم أن يتقنه من العلم كتاب الله تعالى: تلاوة، وتجويدا، وتفسيرا. ثم يلم بعلوم الحديث، والسيرة وأخبار الصحابة والتابعين من أعلام الإسلام، ويطلع من الفقه على ما يلزمه لإقامة عباداته ومعاملاته، ومعرفة أحكام دينه على أساس قويم. هذا، إذا كان المسلم مختصا في غير علوم الشريعة. أما إذا كان مختصا في علم من علوم الشريعة، فينطبق عليه ما ينبغي للمسلم الحق أن يحققه في مجال اختصاصه عن إتقان ودقة ونجاح. ومن نافلة القول أن يكون المسلم متقنا اللغة العربية، متمكنا منها.
[يتقن ما تخصص به]
ويلتفت المسلم الواعي بعد ذلك إلى اختصاصه، فيهبه كل طاقاته، ويمنحه جل اهتماماته، ويقبل عليه إقبال المسلم المعتقد أن عمله في دائرة اختصاصه فريضة، سواء أكان اختصاصه في علم من علوم الشريعة والدين، أم في علم من علوم الدنيا، كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والهندسة والفلك والطب والصناعة والتجارة وغيرها، ومن هنا يتوجب عليه أن يتقن العلم الذي