للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معاملتهم الناس، تشهد لذلك الآثار الكثيرة التي تحكي سلوكهم الاجتماعي الراقي، ودقة تقديرهم للمشاعر الإنسانية. ومنها ما رواه الإمام مالك في الموطأ عن عبد الله بن دينار، قال:

((كنت أنا وابن عمر عند دار خالد بن عقبة التي في السوق، فجاء رجل

يريد أن يناجيه، وليس مع ابن عمر أحد غيري، فدعا ابن عمر رجلا آخر، حتى كنا أربعة، فقال لي وللرجل الثالث الذي دعا: استأخرا شيئا. فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا يتناج اثنان دون واحد)).

لم يرض ابن عمر أن يستمع إلى رجل جاء يناجيه من عرض الطريق فجأة، إذ وجد نفسه أمام ثالث قد يتأذى من إقصائه عنهما، لم يرض أن يستمع إلى سائله حتى استدعى رابعا، وأفهم الجميع أن هذه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مرددا على مسامعهم الحديث الشريف، تأكيدا للمسلمين أن هذا هو الموقف الذي ينبغي أن يقفوه في مثل هذه الحالة، حرصا على مشاعر الناس، واتباعا لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

[لا يتكبر]

والمسلم الحق لا يتكبر، ولا يصعر خده للناس، ولا يشمخ عليهم، مستعليا متجافيا منتفشا؛ لأن هدي القرآن ملء سمعه وقلبه وروحه، يهتف به أن المتكبرين إذا طاب لهم التبختر والتعالي والانتفاش كالديكة في هذه الدنيا الفانية، فإنهم قد خسروا الآخرة الباقية، التي حرمها الله على المتكبرين:

{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (١):


(١) القصص: ٨٣.

<<  <   >  >>