للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن المسلم الحق الصادق في نجوة من هذا كله، لأنه على اتصال دائم بالنبع الكريم الثر من توجيهات الإسلام العالية الحكيمة المسددة. إنه ليسمع هتاف الرسول - صلى الله عليه وسلم - به:

((أنت ومالك لأبيك)) (١).

فيهتز لهذا الأدب النبوي كيانه، وتتفتح لفيوض الهداية نفسه، فإذا هي تفيض بالبر والرعاية والحب والعطاء، وإذا هو في منجاة من العقوق وعصمة، وإذا هو حقا كما أراد له رسول الإسلام أن يكون: هو وماله لأبيه.

[يبر أهل ودهما]

ولم تقتصر توجيهات هذا الدين الحنيف على بر الوالد، بل تعدتها إلى من يحب ويصفي الود. فعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

((أبر البر أن يصل الرجل ود أبيه)). وفي رواية: ((إن من أبر البر صلة الرجل ود أبيه بعد أن يولي)) (٢).

وصادف عبد الله بن عمر رضي الله عنه صديقا لوالده عمر رضي الله


(١) رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه بإسناد حسن. ونص الحديث: أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن لي مالا وولدا، وإن والدي يريد أن يجتاح مالي، فقال: ((أنت ومالك لأبيك، إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم)). وفي رواية الإمام احمد: ((فكلوه هنيئا)). وقد علق الإمام الخطابي على هذا الحديث بقوله: ((معنى يجتاح مالي: يستأصله فيأتي عليه، ويشبه أن يكون ما ذكره السائل من اجتياح والده ماله، إنما هو بسب النفقة عليه، وأن مقدار ما يحتاج إليه للنفقة عليه شيء كثير لا يسعه عفو ماله والفضل منه، إلا أن يجتاح أصله ويأتي عليه، فلم يعذره النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يرخص له في ترك النفقة، وقال له: ((أنت ومالك لأبيك)) على معنى أنه إذا احتاج إلى مالك أخذ منك قدر الحاجة كما يأخذ من مال نفسه، وإذا لم يكن لك مال، وكان لك كسب، لزمك أن تكسب وتنفق عليه)).
(٢) رواه مسلم.

<<  <   >  >>