وإن الباحث المطلع على هذه النصوص في مظانها، ليدهش من غزارتها واستيعابها وشمولها ودقتها؛ إذ لم تدع جانبا من جوانب الحياة الاجتماعية إلا تناولته، وقالت كلمتها فيه، مشيرة إلى المرتقى العالي الوضيء الطهور الذي أراد الإسلام للمسلم أن يسمو إليه، وإنه لسام إليه بلا ريب، متى استقرت حقيقة الإسلام في قلبه، وانسرب هديه اللألاء في جوانب نفسه، وخالطت بشاشته روحه، وعمرت قيمه كيانه.
وقوام مكونات شخصية المسلم الاجتماعية وقوفه عند حدود الله في سلوكه الاجتماعي ومعاملته للناس. فمن هذا الأصل الكبير من أصول العقيدة الإسلامية تتفرع الأخلاق الاجتماعية التي يتحلى بها المسلم التقي المرهف في سلوكه، وعلى هذا الأساس المتين يقيم المسلم الصادق علاقاته الاجتماعية مع الناس.
[صادق]
فهو صادق مع الناس جميعا، لأن هدي الإسلام الذي تغلغل في كيانه علمه أن الصدق رأس الفضائل، وأس مكارم الأخلاق، وهو بالتالي يهدي إلى البر المفضي بصاحبه إلى الجنة، في حين يهدي الكذب إلى الفجور المفضي بصاحبه إلى النار، كما أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله:
((إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا)) (١).
ومن هنا كان المسلم الحق صديقا، يتحرى الصدق في أقواله وأفعاله، وإنها لمرتبة عالية كريمة، أن يكتب الإنسان عند ربه صديقا.