للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[عفو غفور]

والمسلم التقي المستجيب لهدي دينه عفو غفور، والعفو خلق إنساني عال، أشادت به النصوص القرآنية إشادة بالغة، وجعلت المتخلقين به من أرقى النماذج التقية في الإسلام، إذ أدخلهم في زمرة المحسنين الذين فازوا بمحبة الله ورضوانه:

{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (١)

ذلك أنهم كظموا غيظهم ولم يحقدوا ولم يضطغنوا، بل تحرروا من وقر الضغينة والحقد، وانطلقوا في آفاق العفو والمغفرة والصفح والتسامح، ففازوا بصفاء النفس وغبطتها ونقائها وراحتها، وبما هو أكبر من ذلك، فازوا بمحبة الله ورضوانه.

إن العفو والصفح والمسامحة مرتقى عال لا يستطيع بلوغه إلا الذين انفتحت مغاليق قلوبهم لهدي الإسلام، وانفعلت نفوسهم بأخلاقه السمحة، فآثروا ما عند الله من مغفرة وثواب وتكريم على ما هجست به من حب الانتصار والانتقام والانتصاف.

ولقد سلك القرآن الكريم أبرع أسلوب في دفع النفس الإنسانية إلى ذلك المرتقى العالي الصعب، إذ قرر أن الذي أصابه البغي له أن ينتصر لنفسه ويرد عنها البغي والعدوان، ذلك أن جزاء السيئة سيئة مثلها، ولكنه لم يدع الإنسان التي أصابه الحيف والبغي من أخيه لعاطفة التشفي والانتصار والانتقام، بل أخذ بيده برفق إلى مرتقى الصبر والغفران والتسامح، وأكد له أن بلوغ ذلك المرتقى من عزم الأمور:


(١) آل عمران: ١٣٤.

<<  <   >  >>