أما بعد، فإن اهتمامي في موضوع تجلية شخصية الإنسان المسلم كلما أراد له الإسلام أن يكون، يعود إلى سنين لا تقل عن عشر، إثر ملاحظتي على كثير من المسلمين إفراطا في جانب وتفريطا في جانب آخر، أو اهتماما بأمور وتساهلا بأمور أخرى؛ كأن تجد الواحد منهم يحرص على الصلاة في الصف الأول، ولكنه قد لا يأبه للرائحة الكريهة تنبعث من فمه، أو تفوح من أردانه (١)، أو تجده طائعا لله مخبتا خاشعا، ولكنه مقصر في صلة رحمه. وقد تجده منصرفا إلى العبادة والعلم، ولكنه مقصر في تربية أولاده، غافل عما يقرأون ومن يرافقون، أو تجده معنيا بأولاده، ولكنه عاق لوالديه، قاس في معاملتهما. وقد تجده برا بوالديه، ولكنه يظلم زوجته ويسيء عشرتها، أو تجده خسن العشرة لزوجه وأولاده، ولكنه يسيء معاملة جاره، وقد تجده منصرفا إلى شؤونه الخاصة مهتما بما يعود عليه بالنفع، ولكنه مقصر في علاقاته الاجتماعية واهتمامه بأمر المسلمين، أو تجده متدينا صالحا، ولكنه يتساهل بآداب الإسلام في السلام أو الطعام والشراب ومجالسة الناس ومحادثتهم ...
ومن عجب أن تجد هذا النقص في بعض من يحسبون على الدعوة الإسلامية واتجاهها العملي المتميز الذي يكسب رجاله في الغالب حسا إسلاميا مرهفا، وفهما دقيقا لأحكام الإسلام وآدابه وقيمه، وانصياعا صادقا