للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السخيه، وإنهم ليضحكون في قرارة نفوسهم من ذلك الكرم الساذج الذي وضعه صاحبه في غير محله.

إن المسلم الواعي كريم، وكرمه في محله، ذلك أن الكرم خلق إسلامي أصيل، يجمل صاحبه، ويسمو به، ويحبب الناس فيه، ويدنيهم منه. وقد كان هذا الخلق العظيم متأصلا في نفوس الصحابة رضوان الله عليهم، وكان الاتصاف به من أحب الأعمال الصالحة إليهم، يصور ذلك قول علي رضي الله عنه:

لأن أجمع نفرا من إخواني على صاع أو صاعين من طعام، أحب إلي من أن أخرج إلى سوقكم فأعتق رقبة (١).

ذلك أن مثل هذه اللقاءات الودية على الطعام، توطد أواصر المحبة بين الإخوان الأصدقاء، وتقوي روح التعاطف فيهم، وتشيع في حياتهم ندى العاطفة الإنسانية الذي افتقده إنسان الحضارة المادية الحديثة، بعد أن أصبح لا يهتم إلا بنفسه ومصلحته، فإذا هو يعاني خواء روحيا وجفافا عاطفيا، نتج عنهما شعور عميق بالحرمان من الصداقة والأصدقاء المخلصين. وما حفاوته باقتناء الكلاب، وإقباله على تدليلها والعناية بها، إلا تعويض عما فقد من ري العاطفة الإنسانية الذي جففته في نفسه الفلسفة المادية التي اتخذها دينا له، وإطارا يتحرك ضمنه في متقلبه ومثواه؛ فقد جاء في تقرير فرنسي أن هناك سبعة ملايين من الكلاب في فرنسا التي يبلغ عدد سكانها اثنين وخمسين مليون نسمة، وتعيش هذه الكلاب مع أصحابها كأنها من أقاربهم. ولم يعد غريبا في مطاعم باريس أن تشاهد الكلب وصاحبه يتناولان طعامهما على مائدة واحدة. وحين سئل مسؤول في جمعية رعاية الحيوان بباريس: (لماذا


(١) أخرجه البخاري في الأدب المفرد.

<<  <   >  >>