للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن لباقة الداعية وحسن أسلوبه في الدعوة ألا يطيل في خطبته، وبخاصة إذا كان يخطب في جمهور غفير، فيه المسن والعاجز والمريض، فقصر الخطبة دلالة على فقه الخطيب بدعوته وحسن تفهمه نفسيات الجمهور الذي يستمع إليه، وهذا من هدي النبوة العالي الذي أخبرنا به عمار بن ياسر رضوان الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

((إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه (١)، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة)) (٢).

ومن أسلوب الداعية الحكيم اللبق الكيس الفطن الأريب أن يترفق بمن يدعوهم، ويصبر على جهلهم وأخطائهم وأسئلتهم الكثيرة المملة، وبطئهم في الفهم والاستيعاب، متأسيا في ذلك كله بسيد الدعاة وخاتم النبيين صلوات الله عليه الذي كان يفسح صدره للسائلين، ويتلطف في إجابتهم وتعليمهم، ويقبل عليهم إقبال المحب المرشد المؤنس المسدد المعلم، ولا يزال يشرح لهم المسألة حتى يفهموها وينصرفوا جذلين مغتبطين فاهمين مقتنعين.

ومن أمثلة ذلك ما يرويه الصحابي معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، قال: ((بينا أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ عطس رجلى من القوم (٣)، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني (٤)، لكنني سكت، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبأبي هو وأمي (٥)،


(١) أي علامة دالة على فقهه.
(٢) رواه مسلم.
(٣) أي المصلين.
(٤) أي يسكتونني غضبت.

<<  <   >  >>