للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} (١).

فما أجزل ثواب المؤمنين المستقيمين! وما أكرم نزلهم يوم الدين! وما

أجمل البشارة التي تنزلت عليهم تحملها الملائكة!.

ذلك أن الاستقامة مرتقى عال صعب، لا يبلغه إلا المؤمنون الأتقياء الذين أخلصوا وجوههم لله، وانخلعوا من ربقة العبودية لغيره، من مال وجاه وسلطان ونعيم ولذاذات وغير ذلك مما تتعلق به قلوب الناس في هذه الحياة. فلا غرو أن يكون ثوابهم عند الله كبيرا، وأن تكون منزلتهم في جواره عالية عالية.

وليس أدل على علو منزلة الاستقامة، وصعوبة مرتقاها، من شدة وقعها على حس الرسول اليقظ المرهف البصير بأبعاد الاستقامة وضخامة مدلولها وخطرها في تقرير مصير الإنسان، وذلك فيما رواه ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} (٢)، قال: ((ما نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جميع القرآن آية كانت أشد ولا أشق عليه من هذه الآية)) (٣)، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه حين قالوا له: قد أسرع إليك الشيب، قال: ((شيبتني هود وأخواتها) مشيرا إلى قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} (٤).

وقد كان من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - المطابق قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} قوله لسفيان بن عبد الله الثقفي: ((قل آمنت


(١) فصلت: ٣٠.
(٢) هود: ١١٢.
(٣) رواه مسلم.
(٤) انظر باب جامع أوصاف الإسلام في صحيح مسلم.

<<  <   >  >>