للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحق عمل عظيم، لا يقل عن عبقرية ذي الحكمة الموهوب، ونفعها للناس.

ومن هنا كان المسلم الواعي بصيرا في التصرف بماله بما يعود عليه بالخير والمثوبة والأجر، ولذلك تراه يقدمه للبذل الذي يضمن له المثوبة والأجر، دونما جور على ورثته بحرمانهم منه. ومن غير تقتير وإمساك عن البذل في وجوه الخير، وقوام ذلك كله الاعتدال والتوسط في الحالتين على هدي من الشريعة ومقاصدها الغراء، بحيث لا يكون توريث الثروة للأبناء أحب للرجل من البذل في سبيل الله، بل يكون المال المبذول في سبيل الله أحب إليه من المال المورث؛ لأن الأول هو ماله الباقي في صحيفة عمله، وهذا ما أرشد إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله:

((أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد

إلا ماله أحب إليه. قال: فإن ماله ما قدم (١)، ومال وارثه ما أخر)) (٢).

إن الكرم من أفضل خلائق الإسلام ومن أحسن شمائل المسلم الاجتماعية، ومن هنا كان جواب الرسول الكريم للرجل الذي جاءه سائلا: أي الإسلام خير: ((تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)) (٣).

على أن الكرم ما ينبغي أن يجمح بالمسلم إلى حد التفريط والإطاحة بالمال كله، بحيث لا يبقى منه شيء لورثته؛ فالأمور في الإسلام متوازنة متكاملة، لا يجور بعضها على بعض، فكما أن البذل في وجه الخير واجب أو فريضة، كذلك حفظ الذرية وصون كرامتهم من الابتذال والتكفف فريضة أو واجب؛ فقد سأل سعد بن أبي وقاص النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء يعوده في مرضه


(١) أي في وجوه الخير.
(٢) رواه البخاري.
(٣) متفق عليه.

<<  <   >  >>