للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من هنا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبذل كل ما تصل إليه يده، فيوزعه على الناس، لا يذخر منه شيئا لنفسه، ولا لآله. حسبه أن يرد الخير على مستحقيه، يفتح به مغاليق القلوب الصلدة، ويؤصل في النفوس خليقة الكرم، بضربه المثل الأعلى فيه؛ فعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه قال: بينما هو يسير مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مقفله من حنين (١)، فعلقه الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة (٢) فخطفت رداءه، فوقف النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أعطوني ردائي، فلو كان لي عدد هذه العضاه (٣) نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذابا ولا جبانا)) (٤).

إن هذا النمط العالي من الكرم الذي كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهو المثل الأعلى للكرم الخالص البعيد عن الغايات والمطامع والشبهات، حققه الرسول الكريم في واقع الحياة، ليكون مثالا للإنسانية، تحاول الارتفاع إليه، وإنه ليؤكد استعداد الإنسان للصعود في مدارجه، وقدرته على بلوغ مستويات رفيعة فيه، متى تألقت حقيقة الإيمان الكبرى في نفسه، ومن هنا يزداد الإنسان كرما كلما ازداد من الله قربا. وكلما استشعر ما أعده الله من نعيم للكرماء الأسخياء الباذلين في سبيله ازداد سخاء وبذلا، وكلما قويت صلته بالله ازداد شعوره بثمرات الكرم عمقا، وزاد عطاؤه امتدادا وسعة. وهذا ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يلقاه جبريل في رمضان، فقد كانت نسبة الكرم في حياة الرسول الكريم ترتفع في هذا الشهر المبارك، بفعل هذه الصلة المتكررة بالملأ الأعلى؛ إذ كان يلقاه جبريل في كل ليلة من ليالي رمضان، فيترع نفسه


(١) أي حين رجوعه منها.
(٢) أي شجرة.
(٣) العضاة: شجر له شوك.
(٤) رواه البخاري.

<<  <   >  >>