للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يرخى لأمر، ولا ينهض بعبء، ومن كان كذلك لا خير فيه، كما جاء في الحديث الشريف:

((المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)) (١).

ولقد ضرب الرسول الكريم لأمته المثل الأعلى في حسن سلوكه مع الناس، وبراعته في تأليف القلوب، ودعاها للتاسي به في القول والعمل والسلوك، ورسم لها السبيل القصد في كيفية التسرب إلى قلوب الناس، والوصول إلى حبهم وإعجابهم ومودتهم، فقد كان صلوات الله عليه دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ، إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، يعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه بسطه وخلقه، فصار لهم أبا وصاروا له عنده في الحق سواء، الناس في مجلسه متعادلون، يتفاضلون بالتقوى، متواضعون، يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، يؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب.

وكان صلوات الله عليه لا يوئس منه راجيه، ولا يخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك من الناس ثلاثا: كان لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستحلبونه في المنطق، ويقول: إذا رأيتم صاحب حاجة فارفدوه (٢)، ولا يقبل


(١) رواه أحمد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح.
(٢) أي أعينوه.

<<  <   >  >>