اعلم أنَّ ما قاله ابن الصلاح في مسألة التجاسر على الحكم بالصحة على الأحاديث: حق لم يفهمه من تعقبه، فإنه لم يرد غلق باب التصحيح والتضعيف، وإنّما أراد تقييده بمن يحسن هذا، وليس ممن جاء بعد الأئمة المتقدمين من يحسن هذا الأمر على طريقتهم المحضة في التحديث على أصول المحدثين، المنقاة من غبش غير أهل الحديث من الأصوليين والفقهاء إلا قلة ممن يعدون على الأصابع كالدارقطني، وابن عبد الهادي، والذهبي فيما حرره بأخرة، وابن رجب، وابن حجر فيما حرره بأخرة، ومن المعاصرين المعلمي اليماني، وأبي المعاطي النوري، وعبد الله السعد، وسليمان العلوان، والوادعي.
فإنَّ الأمر غاية في الصعوبة وليس كل أحد يصلح للقيام به.
وذلك أنَّ زمن الاستقلال بالحكم على الأحاديث قد انقضى بانقضاء عصر الرواية والتحديث، ولم يبق لأحد ممن بعدهم سوى أنْ يوافق إمامًا من الأئمة المتقدمين في حكم إذا مَا بلغَ مرتبة الاجتهاد على منهاجهم، وإلَّا فلا سبيل غير التقليد أو التوقف في الحكم على الأحاديث.
وبهذا يتحرر لك: أنَّ المعتبر من الأئمة في قبول الحكم على الأحاديث هو السني [غير المبتدع] المؤهل المعتدل المتقدم، ومن هو على منهجهم ممن جاء بعدهم.
فقد رأينا في مسيرة البحث الكم الهائل من الأحاديث الضعيف والمنكرة والمعلة والموضوعة والباطلة التي قبلها المتأخرون، وكان المتقدمون على ردها والتحذير منها.
بل لقد تعبد الناسُ اللهَ بأحكام المتأخرين بعبادات ما أنزل الله بها من سلطان.
وبهذا تعرف أنَّ كلّ حديث صححه المتأخرون وهو عند المتقدمين ضعيفٌ أو معلٌ فلا عبرة بتصحيح من صححه.
وما علمت حديثًا صح على رسم المتأخرين ليس لهم فيه سلف من المتقدمين وهو معتبر.
فإذا اختلف الحكم بين أهل العلم على الحديث صحةً وضعفًا ففي قبول الحكم تفصيل:
أ - أن يكون الخلاف بين المتقدمين والمتأخرين فالمصير إلى المتقدمين.