فإذا تفرد الإمام الحافظ المعروف بكثرة الرواية، وكثرة الرحلة وكثرة الأخذ، فهذا يُعَدُّ تفرده دليلًا على عنايته بالحديث.
وكذا إذا انفرد راو له اختصاص بمن تفرد عنه، فيقبل ولا يعد نكارة.
وقال ابن رجب: أكثر الحفاظ المتقدمين يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد وإن لم يرو الثقات خلافه: إنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه، كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضًا، ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه. انظر "شرح علل الترمذي"(٢/ ٢٦).
فائدة: كل رواية بعد عصر الرواية، إن كانت موافقة لما روي في عصر الرواية، فالذي في عصر الرواية يغني عنها، وما كان في غير عصر الرواية مخالفًا لما في عصر الرواية، أو فيها زيادة عليها، أو لم تُرو في عصر الرواية، فهذه مُعَلَّة أو منكرة، وان كان إسنادها كالشمس ظاهرًا.
فإن الأسانيد لها طرق معروفة مسلوكة؛ فمن أتى فيها بغير الطريق المعروفة فقد أغرب.
والمنكر أبدًا منكر.
وإذا نصَّ المتقدمون أو أحدهم على استنكار حديث، ولم يخالف فيه من في طبقتهم، فالتسليم لهم واجب سواء أدركنا سبب الاستنكار أو خفي علينا.
مَظِنّةُ المنكرات
الكتب المتأخرة عن عصر النقد - نهاية القرن الثالث فما بعده - كمعجمي الطبراني "الأوسط" و "الصغير"، و "الأفراد والغرائب" للدارقطني، "سنن الدارقطني"، و "مستدرك" الحاكم، و "سنن البيهقي"، وكتب أبي نُعَيْم الأصبهاني، والخطيب البغدادي، وكتب الضعفاء "كضعفاء العقيلي"، و "الكامل" لابن عدي، و"المجروحين" لابن حبان، فإن هذه الكتب يعرف بها الحديث الغريب والمنكر.
وهذه لا بدّ من العناية بها، ويلزم طالب الحديث والمشتغل به أن يحفظ جماعها ويستحضرها ساعة يحتاج إليها.