للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الرابع: إتحاف أهل الحديث بما لا يصح فيه حديث]

قَدْ صَنَّف فِي الأبوابِ والأحَادِيث التِي لَا يَصِحُّ فِيهَا حَدِيث جَمْعٌ مِنْ أهْلِ العِلمِ كَبَدْرِ الدِّين المَوصِلِّي فِي "المُغْنِي"، وشَمْسِ الدِّين بن القَيِّم فِي "المَنارِ المُنِيف"، وبَكْر بن عَبد الله أبِي زَيد فِي "التَحْدِيث بِمَا لَا يَصِحُّ فِيِهِ حَدِيث"، ولَكِنْ لَمْ يَسْتَوعِب أحَدٌ مِنْهُم كُلَّ الأبوابِ، ولَا كُلَّ الأحَادِيث، وهِي عِبَارَة عَنْ أحَادِيث كَثُرَت طُرُقُها، ولَيس يَصِحُّ مِنْهَا شَيء، ولَا يَعْضِدُ بَعْضُهَا بَعْضًا (١).

وقَدْ تَدَبَرتُ كُتُبَهُم فَجَمَعْتُ بَعْضَهَا إلى بَعْضٍ، وزِدْتُ عَلَيَهَا زِيَادَاتٍ لَيسَت فِيهَا ولَا تَجِدْهَا مَجْمُوعَة فِي غَيرِ هَذَا المَوضِع، وهَذِهِ الجُمْلَة مِنَ الأبواب مَنْ يَضْبِطْهَا، يَحُزْ عِلمًا بِمِئَات الأحَادِيث الضَعِيفَة (٢)، وقَدْ يَشْتَبِه عَلَى البَعْضِ بعضُ الأبواب والأحَادِيث، بِأنَّ مَعَانِيهَا صَحِيحَة فَكَيفَ تُضَعَّف؟ والحَقّ أنِي لا أُضَعِّفُ المَعْنَى أو الحُكْم، وإنَّمَا أُضَعِّفُ النَقْلَ فِيَها عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَإنَّ الحكْمَ لَا يُشْتَرَطُ لِثُبوتِهِ أنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الَحدِيث فَحَسْب فَقَدْ يَثْبُت بِآيَة، أو إجْمَاع، أو قِيَاس.

فَمَثَلًا حَدِيث: "الإيمَانُ قَولٌ وعَمَل، يَزيدُ ويَنْقُص". فَهَذَا الحَديث لَا يَصِحُّ فِيهِ شَيء مِنْ قَولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ولَكِنْ دَلَّت نُصُوصُ الكِتَابِ والسُنَّة عَلَى صِحَة مَعْنَاه.

فَلَفْظُ: "الإيمَانُ قَولٌ وعَمَل" دَلَّ عَلَيهِ قَولُهُ تَعَالَى: {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: ١ - ٣].


(١) وربما ذُكرت فيها بعض الأبواب المهمة مما لم يُذكر فيه إلا حديث واحد ليس تتعدد طرقه، ومثلهم صَنَعتُ.
(٢) وأنا إن شاء الله عازم على تخريج هذه الأبواب كلها في كتاب مستقل، وهي تتم في مجلدين إلى ثلاثة بإذن الله، فالله أسأل أن يُعينني على ذلك.

<<  <   >  >>