للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث السادس: التأصيل لترتيب الأخذ من كتب الحديث والمصطلح والعلل والجرح والتعديل]

هَذِهِ جملةٌ مِنَ الكُتُبِ عَلَى طَالِبِ العِلم الحِرْصَ عَلَى اقْتِنَائِها، ومُطَالَعَتِها دَائِمًا، والبَحْث فِيها (١).

وهُنَا أقُولُ: لَا بُدَّ لِطَالِب العِلم بَعْدَ هَذَا أنْ يَأخُذَ هَذَا العِلمَ مِنْ مُصَنَّفَاتِ مَنْ حَرَّرَ عَلَى طَرِيقَةِ المُتَقَدِمِين، حَتَى لَا يَقَعَ فِي الإشْكَالَات التِي تَعْتَرِض طَالِب الحَدِيث المُعَاصِر، فِي التَغَايُر بَين مَنْهَجَي المُتَقَدِمين والمُتَأخِرِين.

فِإن قِيلَ: يَلزَمُ مِنْ قَولِك هَذَا هَجْر الكُتُب المُصُنّفَة المَشْهُورَة عِندَ المُتَأخِرين!

والجَواب: لَا؛ لَا يَلزَم، وِإنِّما أرَى تَحْرِيم تَدْرِيسِهَا اسْتَقْلَالًا بِهَا دُونَ شَيخٍ يُمَيِّز مَا فِيهَا مِمَا هُو مُخَالِف لِمَنهَجِ أهْلِ الحَدِيث (٢)، وذَلِك أنَّهَا غَايَرَت المَنْهَج المُتَقَدِم، وأورَثَت مَفَاهِيم مَغْلُوطَة، ووعَّرَت عَلَينَا سُبُل بُلُوغ هَذَا العِلم، نَتَجَ عَنْهَا قَلَب لِلأحكَام، فَصُحِّحَ الضَعَيِف، وضُعِّفَ الصَحِيح، ووُثِّقَ المَجْرُوح، وجُرِحَ الثِقَة، وقُيِّدَ العِلمُ بِقَواعِدَ جَافَّة، عَرِيَّة عَنْ اعتِبَار القَرَائِن فِي كِثِير مِنَ المَواضِعِ.

ثُمَّ بُنِيَت عَلى هَذَا كُلِّه مَسَائِل عَقَدِيَّة وحُكْمِيَّة، لَمْ يَكُن السَلَف الصَالِح يُقِرُّونَهَا، فَأُحيِيَت البِدْعَة، وأميتت السُنَّة، وخَاضَ في عِلم الحَدِيث مَنْ لَمْ يُحْسِن، ولَم يَتَأهَل، فَصَارَ العَبَث


(١) وليس المقصد هنا استيعاب المصنفات في الحديث، وإنما ذكر الأصول الجامعة في كل باب، مع مراعاة ما يبتدئ به وما ينتهي به.
(٢) ولينتبه هنا إلى قولي (استقلالًا بها دون شيخ) فهو واضح، فلابد من شيخ يحسن التمييز بين المنهجين يكون مشرفًا على تدريسها، أما استقلال الطالب المبتدئ بها بدون شيخ فهذا هو الذي أرى منعه وتحريمه، وقد أوصيت أنا في طيّات هذا البحث بجملة من كتب المتأخرين كما سيأتي (فتدبر).

<<  <   >  >>