للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبالجملة: ففرق بين من أخذ الأحكام والمصطلحات غضة طرية عمن أصلها، وبين من أخذها عمن فهمها منهم، وقد خلطها أو تأثر بمنهج أهل الكلام، والفقه ممن ليس من أهل الحديث.

فالأئمة المتقدمون لا يتكلفون في إطلاق المصطلحات، بل يرسلونها، وقد يريدون في المصطلح الذي أطلقوه جزئية منه لا كله.

٢ - تَقْعِيدُ قَواعِد جَافَّة عَرِيَّة عَن القَرَائِن، وعَدَم اعْتِبَار العِلَل:

لا شك أن الضوابط والقواعد إنما وضعت لتقريب علم الحديث لطلابه، وفق ما قرره أئمة الحديث المتقدمين سواء في المصطلحات، أو الأحكام.

فلا تُجعل هذه القواعدُ والضوابطُ أصلًا يُعارضُ به الأئمة المتقدمون، بحجة أن ما قرره المتقدمون يخالف ما تقرر في قواعد المصطلح.

وإنما الواجب عرض (قواعد المصطلح المحدثة) على عمل الأئمة المتقدمين، لا عرض عملهم على (قواعد المصطلح المحدثة).

فالمتقدمون كانت أحكامهم تقوم على السبر والتتبع والاستقراء لحال الراوي والمروي، مع الحفظ والفهم وكثرة المدارسة والمذاكرة.

وأما المتأخرون فغلب على منهجهم الاعتماد على ما قعَّدوه من ضوابط، لتجنب عناء الحفظ والاستقراء، والنظر في أحوال الأسانيد والمتون، فاعتمدوا على من سبقهم ممن قعَّدَ ضوابط المصطلح ثقة به، من دون تحقق من كونه أصاب أو أخطأ، حتى صار يكفي الطالب منهم ليتصدر في هذا الفن أن يقرأ كتابًا في (المصطلح) ويحفظ متنًا مشهورًا.

وليس أدل على ما أقول من النظر في غالب مباحث الحديث كالتدليس، والاختلاط، وتحسين الأحاديث، والشذوذ، والنكارة، وزيادة الثقة، والتفرد، وتعارض الوصل والإرسال، والوقف والرفع، وتعليل الأئمة للأحاديث التي ظاهرها الصحة، ليتبين للناظر بوضوح الفرق بين المنهجين.

قال ابن رجب: وكذا الكلام في العلل والتواريخ قد دونه أئمة الحفاظ، وقد هجر في هذا الزمان ودرس حفظه وفهمه، فلولا التصانيف المتقدمة فيه لما عرف هذا العلم اليوم بالكلية، ففي

<<  <   >  >>