قال الحاكم: "تأمل الأئمة المتقدمون مراسيله - يعني: مراسيل سعيد بن المُسَيِّب -، فوجدوها بأسانيد صحيحة، "معرفة علوم الحديث" (ص ١٧٠).
وقَبِلَ الشافعي حديثًا لطاووس عن معاذ، وطاووس لم يلقه. "فتح المغيث" (١/ ١٤١).
وكلام المتأخرين في مراسيل الحسن البصري معروف، وهو رده مطلقًا، ولكم اغتررنا بهم، ثم تبين أن الأئمة لهم في هذا موقف مغاير، فلا تقبل مطلقًا، ولا ترد مطلقًا.
قَالَ الهيثمُ بنُ عبيد: حدثني أبي قَالَ: قَالَ رجلٌ للحسن: إنّك لتحدثنا قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كنتَ تسندُ لنا، قَالَ: والله ما كذبناك ولا كذبنا، لقد غزوتُ إلى خراسان غزوة معنا فيها ثلاثمائة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. "التاريخ الكبير" (٥/ ٤٥٢)، "شرح علل الترمذي" (١/ ٥٣٨).
قلت: ولكن في نفسي شيء من صحة هذا عن الحسن.
وقال ابن المديني: مرسلات الحسن إذا رواها عنه الثقات صحاح، ما أقل ما يسقط منها.
فكم من حديث في إسناده الحسن البصري رده المتأخرون بدعواهم المعروفة في الحسن.
٨ - إِهْمَالُ اسْتِقَامَةِ المَتْن:
المتقدمون لا يقبلون حديثًا مخالفًا للأصول غير مستقيم المتن، والمتأخرون لا يعتبرون استقامة المتن بل نظرهم مجرد إلى السند فحسب.
واستقامة المتن: أن يكون المتن غير مخالف لما في القرآن، والثابت من الصحيح المشهور.
كحديث: القنوت في الفجر إلى أن فارق الدنيا.
وفي "الصحيحين" عن أنس رضي الله عنه قال: "قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا بعد الركوع، يدعو على أحياء من العرب، ثم تركه".
وحديث: نحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه عند البيت.
وفي "الصحيحين" عن المسور ومروان بن الحكم، أنه نحره في الحديبية.
وحديث: لا صيام لمن لم يعزم الصيام من الليل.
وفي "الصحيحين" أنه كان ينوي النفل من النهار.