وتابعه مقلدوه على هذا، كعادتهم في عدم مخالفته والتعصب له، وزعموا: أن علماء الحديث أمثال ابن الصلاح وابن حجر لم يأتوا بمصطلحات حديثية من عندياتهم، بل جمعوا ورتبوا ما تركه الأقدمون.
ومن ثم تساءلوا ما الحد الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين؟ .
ونحن بحول الله نجيب على هذا كله بدليل وبرهان لا يدع للمعترض مقالًا إن شاء الله.
فنقول: الحق أحق أن يتبع.
فلا ريب أن كتب المتأخرين نفسها مشحونة بالتفريق بين المتقدمين والمتأخرين تصريحًا، فضلًا عن التلميح.
وقد ذكر هذا التفريق الذهبي، وابن كثير، وابن رجب، وابن حجر، والبقاعي، والسخاوي، والسيوطي، والمعلمي اليماني، والوادعي، وغيرهم.
قال الذهبي: صنف - يعني: الإسماعيلي - مسند عمر رضي الله عنه، طالعته وعلقت منه وابتهرت بحفظ هذا الإمام، وجزمت بأن المتأخرين على إياس من أن يلحقوا المتقدمين. اهـ. "تذكرة الحفاظ"(ص/ ٨٤٩).
وقال ابن رجب: وكذا الكلام في العلل والتواريخ قد دونه أئمة الحفاظ، وقد هجر في هذا الزمان ودَرَسَ حفظه وفهمه، فلولا التصانيف المتقدمة فيه لما عرف هذا العلم اليوم بالكلية، ففي التصنيف فيه ونقل الكلام الأئمة المتقدمين مصلحة عظيمة جدًّا. "شرح العلل"(١/ ٣٥٢).
وقال ابن حجر: وبهذا التقرير يتبين عظم موقع كلام الأئمة المتقدمين، وشدة فحصهم، وقوة بحثهم، وصحة نظرهم، وتقدمهم بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك، والتسليم لهم فيه. "النكت"(٢/ ٧٢٦).
وقال السخاوي: ولذا كان الحكم من المتأخرين عسرًا جدًّا، وللنظر فيه مجال، بخلاف الأئمة المتقدمين الذين منحهم الله التبحر في علم الحديث، والتوسع في حفظه، كشعبة والقطان وابن مهدي ونحوهم، وأصحابهم مثل: أحمد وابن المديني وابن معين وابن راهويه وطائفة، ثم أصحابهم مثل البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي، وهكذا إلى زمن الدارقطني والبيهقي، ولم يجيء بعدهم مساوٍ لهم ولا مقارب، أفاده العلائي، وقال: فمتى وجدنا في كلام