للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد خالف الحفاظ من أصحاب الزهري معمرًا في هذا الحديث.

قال أحمد: ليس بصحيح والعمل عليه، كان عبد الرزاق يقول: عن معمر عن الزهري مرسلًا.

وقال: أبو زُرْعَة وأبو حاتم: المرسل أصح.

وقال البخاري: هذا الحديث غير محفوظ.

وقال مسلم: وهِمَ فيه معمر. انظر "تلخيص الحبير" (٣/ ١٩٢).

وصححه ابن القطان الفاسي، وابن كثير، والألباني.

وكذلك في مسألة تعارض الوقف والرفع.

قال ابن رجب: وكلام أحمد وغيره من الحفاظ يدور على اعتبار قول الأوثق في ذلك والأحفظ - أيضًا ... اهـ. "شرح العلل" (٢/ ٨٢).

وبالجملة: فمن أمعن النظر وجد أن هذا الاختلاف مبني على اختلافهم في تقرير الضوابط التي عليها مدار التصحيح والتضعيف، فالمتقدمون يسيرون على قواعد، هذبت عند المتأخرين بناء على فهمهم، أو أغفلت، وحل محلها قواعد جديدة.

وذلك أن المتأخرين من بعد الخطيب البغدادي، جل معتمدهم كتابه "الكفاية".

والخطيب (١) أول من اشتهر عنه أنه غيَّر منهج المتقدمين، فخلطه بأقوال غير أهل الحديث، من الفقهاء والأصوليين والمتكلمة، ومعلوم أن هذه القواعد إنما تؤخذ عن المحدثين النقاد، ولطالما قلنا: إنما يؤخذ كل علم عن أهله.

قال ابن رجب: (ثم إن الخطيب تناقض فذكر في كتاب "الكفاية" للناس مذاهب في اختلاف الرواة في إرسال الحديث ووصله، كلها لا تعرف عن أحد من متقدمي الحفاظ، إنما هي مأخوذة من كتب المتكلمين، ثم إنه اختار أن الزيادة من الثقة تقبل مطلقًا، كما نصره المتكلمون وكثير من الفقهاء، وهذا يخالف تصرفه في كتاب "تمييز المزيد". اهـ. "شرح العلل" (٢/ ٨٢).

قلت: وهؤلاء ليسوا أهل هذا الشأن.


(١) ولعلَّ أول من كان قدوة المتأخرين في منهجهم هو ابن جَرِير الطبري - رحمه الله -، ومن أهل العلم من يعدُّه في الفقهاء لا يجعله في صعيد المحدثين.

<<  <   >  >>