وأهل السنة يقولون: ليس نفس الكلمة عيسى مخلوق بالكلمة، وليس نفس الكلمة: {إِن مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) } إذن عيسى مخلوق بالكلمة، هذا عند أهل الحق النصارى يقولون عيسى نفس الكلمة النصارى هم أنفسهم ضلوا في معنى الكلام فكيف تستدل بقول نصراني ضل أفيستبدل بقول نصراني قد ضل في معنى الكلام على معنى الكلام؟
كيف نستدل بقول نصراني ضل في معنى الكلام على معنى الكلام؟ ويترك ما يعرف بمعنى الكلام من النصوص واللغة.
سادسًا: سلمنا جدلًا الاستدلال بقول النصارى لكن البيت يلزم عليه معنى فاسدًا وهو أن يسمى الأخرس متكلمًا، يلزم على البيت لو سلمنا الاستدلال به معنى فاسدا وهو التسمية الأخرى متكلمًا، لقيام الكلام بنفسه، وإن لم يتكلم به يلزم عليه أن يسمى الأخرس متكلما لقيام الكلام بنفسه، وإن لم ينطق به والأخرس لا يسمى متكلمًا لا شرعًا ولا عقلا ولا لغة ولا حسًا، وبهذا يبطل استدلال الأشاعرة بهذا البيت.
ومما ناقش به أهل الحق الأشاعرة أنهم قالوا: الأشاعرة يقولون: إن الكلام معنى واحدًا لا يتعدد ولا يتجزأ ولا يتكثر معنى واحدًا، والتعدد والتجزؤ والتكثر في الدلالات والعبارات.
قالوا لهم: الله تعالى أخبر أن موسى سمع كلام الله فهل سمع موسى جميع المعنى أو بعض المعنى هل سمع موسى جميع المعنى، أو بعض المعنى إن قلتم سمع جميع المعنى فقد زعمتم أن موسى سمع جميع كلام الله، وهذا باطل، وإن قلتم سمع بعض كلام الله فقد قلتم بالتبعض وأبطلتم مذهبكم بأنفسكم، لا محيد لكم عنهما، إن قلتم سمع جميع المعنى فقد زعمتم أن موسى سمع جميع كلام الله، وإن قلتم سمع البعض فقد قلتم بالتبعض وهذا خلاف مذهبكم.
ومن المناقشات أن يقال: لو كان الكلام معنى قائما بالنفس كما تزعمون أيها الأشاعرة وأن الدلالات والعبارات هي التي تختلف للزم على ذلك ملازم فاسدة منها: أولًا: أن يلزم على قولكم: إن الكلام معنى قائم بالنفس وأنه لا يتعدد ولا يتبعض أن يكون معنى قوله {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} هو معنى قوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} وأن يكون معنى قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} هو معنى قوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} وأن يكون معنى آية الدين هو معنى آية الربا، وأن يكون معنى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) } هو معنى {تَبَّتْ يَدَا} وهذا باطل.
ثالثًا: لو كان الكلام معنى قائم بالنفس وأن المصحف ليس فيه شيء من كلام الله لجاز للمُحْدِث مس المصحف، وهذا خلاف ما أجمع عليه الأئمة الأربعة أنه يجب على المحدث أن يتوضأ لِمَسِّ المصحف، كما جاء في الحديث الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: (ألا يمس القرآن إلا طاهر) .
فلو كان المصحف ما فيه كلام الله لجاز للمحدث مسه ولو كان القارئ ما يقرأ كلام الله لجاز للجنب أن يقرأ وهو لم يغتسل وكذلك الحائض عند كثير من الفقهاء على الخلاف في المسألة لو كان الكلام معنى قائم بالنفس للزم أن يسمى الأخرس متكلمًا والأخرس لا يسمى متكلمًا، ويقال للأشاعرة: إن النصوص الكثيرة تبطل قولكم: إن الكلام معنى قائم بالنفس إن كلام الله معنى قائم بنفسه منها قول الله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨) } الإشارة إلى أين تعود {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ} هل الإشارة تعود إلى ما في نفس الله؟ أو تعود إلى القرآن المتلو المسموع المكتوب في المصاحف لا شك أن الإشارة تعود إلى القرآن المتلو بالألسن المكتوب في المصاحف؛ لأن ما في نفس الله غير مشار إليه ما في نفس الله غير مشار إليه ولا متلو ولا مسموع.
وكذلك قوله: لا يأتون بمثله الضمير يعود إلى ما في نفس الله، أو إلى ما في هذا القرآن المتلو المكتوب في المصاحف، لا شك أنه يعود إلى ما في المصحف؛ لأن ما في نفس الله لا حيلة إلى الوصول إليه فهو غير متلو، وغير مسموع كذلك أيضًا قول الله عز وجل {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} .
صريح في أن الذي يسمعه المشرك كلام الله، ولم يقل حتى يسمع ما هو عبارة عن كلام الله كما تقولون حتى يسمع كلام الله، دل على أن السامع إنما يسمع كلام الله والقارئ إنما يقرا كلام الله كذلك أيضا من الأدلة ما ثبت في الأحاديث الصحيحة: (أن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة) وحديث (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتهليل قراءة القرآن) أو كما ورد.