وقد أجمع العلماء على أن الإنسان المصلي لو تكلم عامدًا بغير مصلحتها بطلت صلاته، وقد أجمعوا أيضًا على أنه لو حدث نفسه بشيء في صلاته، وأن ما يقوم في القلب من تصديق بأمور دنيوية وطلب لا يبطل الصلاة فحديث النفس الذي يكون في القلب من تصديق بأمور دنيوية وطلب لا يبطل الصلاة وإنما يبطله عندما يتكلم بلسانه عامدًا لغير مصلحتها، فدل على أن الكلام إنما هو لفظ ومعنى، والكلام الذي يتكلم به اللسان بلسانه دل على أن كلام الله لفظ ومعنى وأن الله تكلم به بحرف وصوت يسمع.
ومن الأدلة أيضًا ما ثبت في الصحيحين عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل) ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بين حديث النفس وبين الكلام، وأخبر أن الله عفا عن حديث النفس وأن ما تكلم به الإنسان بلسانه لا يعفى عنه فدل على أن الكلام لفظ ومعنى حروف وأصوات.
ومن الأدلة أيضًا ما ثبت في السنين من حديث معاذ - رضي الله عنه - لما قال النبي صلى الله عليه وسلم (ألا أدلك على ملاك ذلك كله ...) في حديث معاذ الطويل لما سئل النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسأله الرجل (... عن عمل يدخله الجنة ويبعده عن النار قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله لا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله ثم أخذ بلسان نفسه ثم قال: كف عليك هذا قال معاذ فقلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوهم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) .
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إنما يؤاخذ بما يتكلم به بلسانه فدل على أن الكلام ألفاظ ومعاني حروف وأصوات وكذلك كلام الله عز وجل تكلم به كلام الله اسم للمعنى واللفظ جميعًا والله تكلم به وحرف وصوت يسمع بهذا يتبين أن مسمى كلام الله المعنى واللفظ جميعًا، وأن كلام الله بحرف وصوت يسمع والحق أن التوراة والإنجيل والزبور والقرآن كلهم من كلام الله وكلام الله لا يتناهى، ولو كان البحر ومد بسبعة أبحر وجعل ما في الأرض من الأشجار كله أقلام والبحار مداد يكتب به لتكرث الأقلام ونفذت مياه البحر وما نفذت كلمات الله:
{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (١٠٩) } {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧) } .
فهذه المسألة مسألة الكلام مسألة عظيمة اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وبين المخالفين لهم، والتبس الأمر على كثير من الناس، ولا سيما مذهب الأشاعرة ثم مذهب المعتزلة فينبغي لطالب العلم أن يعتني بهذا الأمر، وأن يعتني بالنصوص، وأن ينبغي لطالب العلم أن يعتني بهذا الأمر، وأن يعتني بالنصوص، وأن يتأمل حينما يقرأ في الكتب حتى لا يلتبس عليه معتقد أهل السنة والجماعة المأخوذ من نصوص الكتاب والسنة من كتاب الله وسنة رسوله في مذهب المعتزلة والأشاعرة المبني على الأراء والأهواء والشهوات. نعم اقرأ وإن القرآن كلام الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام الطحاوي -رحمه الله تعالى-: "وإن القرآن كلام الله منه بدا بلا كيفية قولًا".
وإن القرآن كلام الله، الطحاوي الآن يقرر مذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله يعني لفظه ومعناه، هذا هو الأصل، فالكلام هي لفظة تشمل اللفظ والمعنى، وإن القرآن كلام الله لفظ ومعنى منه بدا.
هذا فيه الرد على المعتزلة والرد على الأشاعرة فإن المعتزلة لا يقولون منه بدا يقولون بدا من شيء آخر بدأ من الشجرة أو بدأ من الهواء أو بدأ من اللوح المحفوظ خلقه الله في اللوح المحفوظ فأضافه إليه إضافة تشريف وتكريم وكذلك الأشاعرة لا يقولون منه بدا بل يقولون: لم يبد منه شيء، الكلام معنى قائم بنفسه لم يبد ما سمع منه ما سمع جبريل كلامًا ولا لفظًا ولا حرفًا ولا صوتًا وإنما جبريل هو الذي أحدث لفظ القرآن أو أحدثه محمد لأنه فهم المعنى القائم بنفس الرب اضطره الله ففهم المعنى أو أن الله خلقه في الهواء وأخذه من الهواء.
وأهل السُّنة يقولون: القرآن منزل غير مخلوق منه بدا وإليه يعود، فالقرآن كلام الله منزل نزله الله {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢) } غير مخلوق كما تقوله المعتزلة منه بدا، بدا من الله {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى} وإليه يعود في آخر الزمان في آخر الزمان.
من أشراط الساعة الكبار التي تعقبها الساعة مباشرة أشراط الساعة كما هو معروف عشرة: