الأولى: مرتبة العلم، وصفة العلم من الصفات الذاتية وهي تتناول الموجود والمعدوم والواجب والممكن والمبتدع، وذلك أن علم الله محيط بالأشياء على ما هي عليه لا محو فيه ولا تغيير ولا زيادة ولا نقص فإن الله يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون لو كان كيف يكون؛ إذا علم الله يتناول الموجود ويتناول المعدوم ويتناول الواجب ويتناول الممكن ويتناول المبتدع أيضا، والأدلة على إثباتها من الكتاب والسنة أكثر من أن تحصى واتفق عليه الصحابة والتابعون ولم يخالف فيها إلا مجوس هذه الأمة.
المرتبة الثانية: مرتبة الكتابة وهي أن الله كتب مقادير الخلائق وما هو كائن إلى يوم القيامة في اللوح المحفوظ والأدلة على إثباتها قول الله -تعالى- {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} وفي الحديث (أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب قال: وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) ومن الأدلة على المرتبتين الأوليين قول الله -تعالى- {أَلَمْ تَعْلَمْ أَن اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ}
المرتبة الثالثة: مرتبة المشيئة وهي إثبات مشيئة الله النافذة الماضية إثبات نفوذ قدرته ومشيئته وشمول قدرته ومن الأدلة على إثباتها قول الله -تعالى-: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} وقول الله: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا}
الرابعة: مرتبة الخلق والإيجاد وهي إثبات خلق الله وإيجاده لكل شيء ومن الأدلة على إثباتها قول الله -تعالى-: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وقوله: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} هذه مراتب القدر العلم والكتاب والإرادة والخلق وقد نظمها بعضهم فقال:
علم كتابة مولانا مشيئته
وخلقه وهو إيجاد وتقدير
وخلقه وهو إيجاد وتقدير مذاهب الناس في القدر ثلاثة:
المذهب الأول: مذهب أهل السنة أن كل شيء بقضاء الله وقدره حتى العجز والكيس حتى العجز والكيس يعني: حتى العجز والجد والنشاط كله بقدر كل شيء بقضاء الله وقدره، مذهبهم أن كل شيء بقضاء الله وقدره حتى العجز والكيس وأن الله -تعالى- خلق أفعال العباد كما قال الله -تعالى-: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (٤٩) } وقال: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (٢) } وأن الله -تعالى- يريد الكفر من الكافر ويشاؤه ولا يرضاه ولا يحبه فيشاؤه كونا ولا يرضاه دينا وأنه لا حادث إلا، وقد قدره الله أزلا أي: سبق به علمه، ويعتقد أهل السنة أن الإرادة قسمان: كونية قدرية خلقية ترادف المشيئة ودينية شرعية أمرية ترادف المحبة، ويثبتون أن العبد فاعل حقيقة ولكنه مخلوق لله ومفعول له ولا يقولون: هو نفس فعل الله فيفرقون بين الخالق والمخلوق والفعل والمفعول ويعتقدون العبد تابعة لمشيئة الله في كل شيء مما يوافق ما شرعه وما يخالفه من أفعال العبد وأقواله، فالكل بمشيئة الله، فما وافق ما شرعه رضيه وأحبه، وما خالفه كرهه كما قال الله -تعالى-: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِن اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}
المذهب الثاني: مذهب القدرية مذهب القدرية، ومن أصولهم نفي خلق الفعل مطلقا نفي خلق الفعل يقولون: أفعال العباد ليست مخلوقة لله أفعالهم من خير وشر وطاعة ومعصية لم يقدرها الله ولم يشأها ولم يخلقها، وغلاة القدرية والرافضة أنكروا أن الله عالم بالأزل، فالقدرية قسمان غلاة ومتوسطون، فالغلاة أنكروا المرتبتين الأوليين علم الله وكتابته، والمتوسطون أنكروا عموم المرتبتين الأخريين آمنوا بالعلم والكتابة اعترفوا صدقوا بالمرتبتين الأوليين ولكن جحدوا عموم المرتبتين الأخريين كما سيأتي، فغلاة القدرية القدامى -وهم قدامى- كمعبد الجهني الذي سأل ابن عمر عن مقالته وكعمرو بن عبيد، فإنهم ينكرون علم الله المتقدم وكتابته السابقة ويزعمون أن الله أمر ونهى وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه بل الأمر أنف أي: مستأنف، وهذا القول أول ما حدث في الإسلام بعد انقراض عصر الخلفاء الراشدين، وكان أول من أظهر ذلك بالبصرة معبد الجهني وأخذ عنه هذا المذهب غيلان الدمشقي فرد عليه بقية الصحابة كعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وواثلة بن الأسقع وغيرهم.
فالقدرية ينقسمون إلى فرقتين:
الأولى: تنكر أن الله سبق علمه بالأشياء مطلقا وتزعم أن الله لم يقدر الأمور أزلا ولم يتقدم علمه بها وإنما يعلمها إذا وقعت، وهؤلاء هم الغلاة قال العلماء: والمنكرون لهذا وهؤلاء الطائفة انقرضوا وهم الذين كفرهم الأئمة، مالك والشافعي وأحمد، وهم الذين قال فيهم الإمام الشافعي -رحمه الله-: ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصبوا وإن أنكروه كفروا.