للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا قيد لكل دليل عام يأمر بطاعة ولي الأمر، إذا أمر بمعصية ولي الأمر، بأن تشرب الخمر، ما تطيعه لكن لا تخرج عليه، ولا تؤلب الناس عليه، ولا تنزع يدا من طاعته لكن لا تطيعه في هذه المعصية، أمرك بالتعامل بالربا لا تطيعه أمرك بأن تقتل نفسا معصية لا تطيعه، الأمير أمرك بالمعصية لا تطيعه، والدك إذا أمرك بمعصية لا تطيعه، الزوجة إذا أمرها زوجها بمعصية لا تطيعه، العبد إذا أمره سيده بالمعصية لا يطيعه لا أحد يطاع في معصية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) لكن كونك لا تطيع ولي الأمر في معصية، ليس معنى ذلك أنك تتمرد عليه، وأنك تخرج عليه، وأنك تؤلب الناس عليه لا المعنى أنك لا تطيعه في هذه المعصية، لكن ما عداها تسمع له، وتطيع كذلك الولد لا يتمرد على أبيه لكن إذا أمره بالمعصية لا يطيعه في المعصية، وما عداها يطيعه، الزوجة لا تتمرد على زوجها لكن إذا أمرها بالمعصية لا تطيعه، لكن تطيعه فيما عدا ذلك، العبد لا يتمرد على سيده، لكن إذا أمره بالمعصية لا يطيعه، لكن يطيعه فيما عدا ذلك. واضح.

هذا ما أحد يطاع في المعاصي، المعاصي لا أحد يطاع فيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وقال -عليه الصلاة والسلام- (إنما الطاعة في المعروف) وثبت في صحيح البخاري (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية، وأمر عليها رجلا من الأنصار، فلما كان في بعض الطريق أغضبوه، أغضبوا أميرهم، فقال لهم: اجمعوا حطبا، فجمعوا حطبا، ثم قال: أججوها نارا، فأججوها نارا، ثم قال ادخلوا فيها، فنظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: أسلمنا، وجئنا إلى رسول الله خوفا من النار، فكيف ندخل في النار، فلم يدخلوا في النار، وتركوه حتى سكن غضبه، فلما وصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه قال: لو دخلوا فيها، ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف) .

هذا أمر بمعصية، قال: ادخلوا النار، هذه معصية لا يجوز لإنسان أن يحرق نفسه، (لو دخلوا فيها ما خرجوا منها) هذا وعيد (إنما الطاعة في المعروف) .

ومن الأدلة حديث حذيفة الطويل، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تلزم جماعة المسلمين، وإمامهم، قلت: يا رسول الله، فإن لم يكن لهم جماعة، ولا إمام، قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة، حتى يأتيك الموت، وأنت على ذلك) .

ومن الأدلة حديث ابن عباس -رضي الله عنهما (من رأى من أميره شيئا يكرهه، فليصبر؛ فإنه من فارق الجماعة شبرا، فمات فميتته جاهلية) وفي رواية، (فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه) هذا الحديث دليل على أن الخروج على ولاة الأمور من كبائر الذنوب، حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما) ومن أقوى الأدلة على أنه لا يجوز الخروج على ولاة الأمور، حديث عوف بن مالك الأشجعي في صحيح مسلم، انتبهوا للحديث حديث عوف بن مالك الأشجعي في صحيح مسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (خيار أئمتكم الذين تحبونهم، ويحبونكم، وتصلون عليهم، ويصلون عليكم) .

يعني: تدعون لهم، ويدعون لكم (وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم، ويبغضونكم، وتلعنونهم، ويلعنونكم، قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابزهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم (ألا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة) هذا صريح، والحديث دليل على أن ترك الصلاة كفر؛ لأنه قال: (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) فمفهومه أنهم إذا لم يقيموا الصلاة، فهم كفار، يجوز الخروج عليهم، ثم قال (ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة) صريح بأنك إذا رأيت من ولاة الأمور شيئا تكرهه تكره المعصية، ولكن لا تخرج على ولاة الأمور.

الحكمة من المنع من الخروج على ولاة الأمور، ولو فعلوا المعاصي، ولو فعلوا الكبائر، العلماء ذكروا هذه الحكمة، واستنبطوها من النصوص، وهذه الحكمة داخلة تحت قاعدة اجتماع المفاسد والمصالح، وأنه إذا القاعدة الشرعية، إذا وجد مفسدتان لا يمكن تركهما؛ فإننا نرتكب المفسدة الصغرى لدفع الكبرى، وإذا وجد مصلحتان لا يمكن فعلهما نفعل المصلحة الكبرى، وندفع المصلحة الصغرى.

<<  <   >  >>