فمثلا يترتب على الخروج على ولاة الأمور مفاسد، من هذه المفاسد أنه تحصل الفوضى والفرقة والاختلاف والتناحر والتطاعن والتطاحن، وإراقة الدماء وانقسام الناس واختلاف قلوبهم وفشل المسلمين، وذهاب ريح الدولة، ويتربص بهم الأعداء الدوائر، ويتدخل الأعداء، وتحصل الفوضى واختلال الأمن، وإراقة الدماء، واختلال الحياة جميعا واختلال المعيشة، اختلال الحياة السياسية، اختلال الحياة الاقتصادية، اختلال الحياة التجارية، اختلال التعليم، اختلال الأمن تحصل الفوضى، وتأتي فتن تأتي على الأخضر واليابس، أمور عظيمة، هذه مفسدة عظيمة، أي هذه المفسدة، هي كون ولي الأمر فعل مفسدة، ظلم بعض الناس، أو سجن بعض الناس، أو شرب الخمر، أو ما وزع بعض المال، أو حصل منه فسق هذه مفسدة صغيرة نتحملها، يتحملها المسلم في أي مكان، وفي أي زمان، لكن الخروج عليه هذه مفاسد يترتب عليها فتن تأتي على الأخضر واليابس، فتن ما تنتهي.
فالقاعدة قواعد الشريعة أتت بدرء المفاسد وجلب المصالح، وأتت بدرء المفاسد الكبرى وارتكاب المفاسد الصغرى، فكون الولي ولي الأمر حصل منه جور، أو ظلم، أو فسق هذه مفسدة صغرى لكن الخروج عليه يترتب على هذا مفاسد لا أول لها، ولا آخر واضح هذا وكذلك -أيضا- من الحكم أن ولاة الأمور إذا حصل منهم جور، فهذا نصبر عليهم، والصبر عليهم، فيه حقن لدماء المسلمين، ثم -أيضا- فيه تكفير للسيئات؛ لأن تسليط ولاة الأمور على الناس بسبب ظلم الناس، وبسبب فساد أعمالهم وكما تكونوا يولى عليكم، فإذا أراد الناس أن يدفع عنهم فساد ولاة الأمور، وأن يصلح الله لهم ولاة الأمور، فليصلحوا أحوالهم.
ارجع إلى نفسك، أصلح نفسك تب إلى ربك، ولاة الأمور ما سلطوا عليك إلا بسبب معاصيك، كما قال -سبحانه وتعالى- فإن الله ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد بالاستغفار والتوبة، وإصلاح العمل كما قال الله تعالى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} وجور الولاة وظلم الولاة بسبب كسب الرعية، فإذا أراد الرعية أن يصلح الله لهم ولاة الأمور، فليصلحوا أحوالهم؛ وليتوبوا إلى ربهم، وقد قال الله عز وجل لخيار الخلق، وهم الصحابة أفضل الناس بعد الأنبياء، قال الله لهم في غزوة أحد:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} .
لما حصلت النكسة والهزيمة على المسلمين في غزوة أحد، وقتل منهم سبعون قالوا كيف؟ يحصل هذا كيف يقتل من قال الله تعالى {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} في بدر أنتم في أحد قتل منكم سبعون، لكن في بدر أصبتم مثليها قتلتم سبعين وأسرتم سبعين {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} يعني: في أحد {قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} في بدر {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} من أين جاءنا {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} من عند أنفسكم بسبب المعصية، التي حصلت من الرماة، لما أخلوا بالموقف، فإذا كان خيار الناس بعد الأنبياء يقال لهم {مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} فكيف بنا الآن؟ المصيبة التي حصلت على المسلمين في غزوة أحد يقول لهم الرب:{مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} .
فكذلك نحن إذا أصابتنا مصيبة من جور الولاة، من عند أنفسنا، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩) } وجه الدلالة أن هذه الآية دلت على أن جور الولاة، بما كسبت أيدي الرعية، فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير، فليتركوا الظلم.
وعن مالك بن دينار: أنه جاء في بعض كتب الله، أنا الله مالك الملك قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني، جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني، جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، لكن توبوا أعطفهم عليكم.
فهذا المعنى صحيح، وإن كان إسرائيلي، وبعض الأئمة يقولون: له أصل، هذا الأثر، وعلى كل حال، فالخلاصة من هذا: أنه لا يجوز الخروج على ولاة الأمور، مهما فعلوا من المعاصي والمنكرات، لكن النصيحة مبذولة من قبل أهل الحل والعقد، من قبل العلماء، هؤلاء ينصحون ولاة الأمور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (أن الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم) لكن هذه المعصية، وهذا الجور لا يوجب الخروج بحال على الأئمة؛ لأن الخروج عليهم؛ لأنه من فعل أهل البدع من عقيدة أهل البدع من الروافض والخوارج والمعتزلة، فلا يجوز للمسلم أن يوافق الخوارج في معتقدهم، ولا أن يشابههم في أفعالهم.
قال العلماء، ولا يجوز الخروج على ولي الأمر إلا بشرطين: