والفرق بين النفس والروح فرق بالصفات لا فرق بالذات، وإنما سمي الدم نفسا؛ لأن خروجه الذي يكون معه الموت يلازم خروج النفس، وإن الحياة لا تتم إلا به كما لا تتم إلا بالنفس، ويقال: فاضت نفسه، وخرجت نفسه، وفارقت نفسه كما يقال: خرجت روحه وفارقت روحه.
ومن مباحث الروح:
هل الروح قديمة، أو محدثة مخلوقة؟
في المسألة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها قديمة غير مخلوقة.
الثاني: أنها محدثة مخلوقة.
الثالث: التوقف.
فلا يقال إنها مخلوقة، ولا غير مخلوقة، استدل أهل القول الأول القائلون بأنها قديمة غير مخلوقة، احتجوا أن الله -سبحانه وتعالى-.
أولا: أن الله تعالى أخبر أن الروح من أمر الله كقوله: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} وأمره غير مخلوق وأجيب بأنه ليس المراد هنا بالأمر الطلب، الذي هو أحد أنواع الكلام، فيكون المراد أن الروح كلامه الذي يأمر به، فليس المراد به الأمر الكلامي حتى يكون قديما، وإنما المراد الأمر هنا المأمور، والمصدر يذكر، ويراد به اسم المفعول، وهذا معلوم مشهور، وهو عرف مستعمل في لغة العرب، وفي القرآن منه كثير كقوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} أي مأموره الذي قدره وقضاه، وقال له: كن فيكون.
الدليل الثاني: أن الله أضاف الروح إليه كقوله: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} كما أضاف إليه علمه وقدرته وسمعه وبصره ويده، فكما أن هذه الصفات ليست مخلوقة، فكذلك الروح.
وأجيب بأن المضاف إلى الله -سبحانه- نوعان: صفات لا تقوم بأنفسها: كالعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام، فهذه إضافة الصفة إلى الموصوف بها، فعلمه وكلامه وقدرته وإرادته وحياته صفات له غير مخلوقة، والثاني: إضافة أعيان منفصلة عنه كالبيت والناقة والعبد والرسول والروح، فهذه إضافة المخلوق إلى خالقه، والمصنوع إلى صانعه، لكنها إضافة تقتضي تخصيصا، وتشريفا يتميز به المضاف عن غيره.
أما أهل القول الثاني القائلون بأن الروح مخلوقة محدثة، فهذا هو الصواب، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة والأثر، وهو الذي ذهب إليه الصحابة والتابعون.
ومن أدلة هذا القول: الإجماع: فقد أجمعت الرسل على أن الروح محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة، وهذا معلوم بالضرورة من دينهم، أن العالم محدث، وأجمع عليه السلف من الصحابة والتابعين، قبل قول هذه الفئة إنها قديمة حتى نبغت هذه النابغة، وزعمت أنها قديمة، وممن نقل الإجماع على ذلك محمد بن نصر المروزي وابن قتيبة وغيرهم.
الدليل الثاني من الكتاب: قول الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}
ووجه الدلالة: أن هذا اللفظ عام لا تخصيص فيه بوجه ما، فيدخل في عمومه الروح، ولا يدخل في ذلك صفات الله؛ فإنها داخلة في مسمى اسمه، فالله تعالى هو الإله الموصوف بصفات الكمال بذاته وصفاته.
ثانيا: قوله تعالى، الدليل الثاني من الكتاب قول الله تعالى لزكريا: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (٩) }
ووجه الدلالة: أن هذا الخطاب لزكريا -عليه الصلاة والسلام- لروحه وبدنه ليس لبدنه، فقط؛ فإن البدن وحده لا يفهم، ولا يخاطب، ولا يعقل، وإنما الذي يفهم، ويعقل، ويخاطب هو الروح.
الدليل الثالث: قول الله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (١) }
ووجه الدلالة: أن الإنسان اسم لروحه وجسده.
الدليل الرابع: قوله -عليه الصلاة والسلام- (الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)
ووجه الدلالة: أن الجنود المجندة لا تكون إلا مخلوقة.
الدليل العقلي: هذه الأدلة من الكتاب، ومن السنة. الدليل الثالث: عقلي مأخوذ من الشرع، وهو أن الروح توصف بالوفاة والقبض والإمساك والإرسال، وهذا شأن المخلوق المحدث المربوط.
أما أهل القول الثالث القائلون بالتوقف، توقف قوم فقالوا: لا نقول الروح مخلوقة، ولا غير مخلوقة، وهؤلاء لم يتبين لهم معاني النصوص، ولم يفهموها ولو تدبروها، وعرفوا معانيها، لظهر لهم أنها مخلوقة محدثة مربوبة.
ومن مباحث الروح:
هل الروح مخلوقة قبل الجسد، أم بعده؟ اختلف في الروح هل هي مخلوقة قبل الجسد أم بعده؟
هذه مسألة للناس فيها قولان معروفان، حكاهما شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وغيره.
والقول الأول: أن الأرواح متقدم خلقها على خلق البدن، وممن ذهب إلى ذلك محمد بن نصر المروزي، وأبو محمد ابن حزم، وحكاه ابن حزم إجماعا.
ومن أدلة هؤلاء -أولا- قول الله تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ}
ووجه الدلالة: أن ثم للترتيب والمهلة، ودلت الآية على أن خلقنا مقدم على أمر الله للملائكة بالسجود لآدم، ومعلوم قطعا أن أبداننا حادثة بعد ذلك، فعلم أنها الأرواح.