والجواب: أنه نوعان: نوع دائم، وهو عذاب الكفار، ويدل عليه قول الله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (٤٦) } .
ثانيا: حديث البراء بن عازب -رضي الله عنهما- في قصة الكافر، (ثم يفتح له باب إلى النار، فينظر إلى مقعده فيها حتى تقوم الساعة) رواه الإمام أحمد، وفي بعض طرقه (ثم يخرق له خرقا إلى النار، فيأتيه من عذابها ودخانها إلى يوم القيامة) النوع الثاني: عذاب إلى مدة مؤقتة، وهو عذاب بعض العصاة الذين خفت جرائمهم، فيعذب بحسب جرمه، ثم يخفف عنه كما يعذب في النار مدة، ثم يزول عنه العذاب،، ومنه.. وقد ينقطع عنه العذاب بدعاء، أو صدقة، أو استغفار، أو سبب حج تصل إليه من أقاربه أو غيرهم، وهذا كما يشفع الشافع في المعذب في الدنيا، فيخلص من العذاب بشفاعته، لكن هذه شفاعة قد لا تكون بإذن المشفوع عنده، والله -سبحانه- لا يتقدم أحد بالشفاعة بين يديه إلا من بعد إذنه، فهو الذي يأمن للشافع أن يشفع، إذا أراد أن يرحم المشفوع له.
ومن المباحث: في ضغطة القبر وضمته: وهل ينجو منها، ومن السؤال وفتنة القبر أحد؟
ورد في ضغطة وضمته لكل أحد، ورد أن ضغطة القبر وضمته لكل أحد، وكذلك السؤال والفتنة في القبر، جاءت النصوص بأن ضغطة القبر وضمته لكل أحد، وكذلك السؤال والفتنة في القبر، وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن للقبر ضغطة لو كان أحد منها ناجيا نجى سعد بن معاذ) .
قال بعضهم: الفرق بين المسلم والكافر في ضمة القبر دوامها للكافر، وحصول هذه الحالة للمؤمن في أول نزوله، إى قبره، ثم يعود الانفساح له فيه، والمراد بضغطة القبر ارتفاع جانبيه على جسد الميت، قال بعضهم: سبب هذه الضغطة أنه ما من أحد إلا، وقد ألم بخطيئة ما، وإن كان صالحا، فجعلت هذه الضغطة جزاء لها، ثم تدركه الرحمة؛ ولذلك ضغط سعد بن معاذ - رضي الله عنه - وأما الأنبياء فلا نعلم أن لهم في قبورهم ضمة، ولا سؤالا لعصمتهم؛ لأن السؤال عن الأنبياء، وما جاءوا به فكيف يسألون عن أنفسهم؟.
وأما الحياة التي اختص بها الشهداء، وامتازوا بها عن غيرهم في قوله تعالى {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) } وقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (١٥٤) } هي أن الله تعالى جعل أرواحهم في أجواف طير خضر، كما في حديث عبد الله بن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لما أصيب إخوانكم - يعني يوم أحد - جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، تلج أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب، مظللة في ظل العرش) الحديث رواه الإمام أحمد، وأبو داود وابن عوانة في حديث ابن مسعود، رواه مسلم، فإنه لما بذلوا أبدانهم لله عز وجل حتى أتلفها أعداء الدين، أعالهم عنها في البرزخ أبدانا خيرا منها، تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون نعيمها بواسطة تلك الأبدان أكمل من تنعم الأرواح المجردة عنها؛ ولهذا كان نسمة المؤمن في صورة طير، أو كطير، ونسمة الشهيد في جوف طير، وتأمل لفظ الحديثين.
ففي الموطأ أن كعب بن مالك يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة، حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه) فقوله: (نسمة المؤمن) يعم الشهيد وغيره، ثم خص الشهيد بأن قال: (هو في جوف طير خضر) ومعلوم أنها إذا كانت في جوف طير، صدق عليها أنها طير، فتدخل في عموم الحديث الآخر، وهو أنها طائر بهذا الاعتبار، فنصيبهم من النعيم في البرزخ أكبر من نصيب غيرهم في الأموات على فرشهم، وإن كان الميت أعلى درجة من كثير منهم، فللشهيد نعيم يختص به لا يشاركه فيه من هو دونه، وحرم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، كما روي في السنن.
وأما الشهداء فقد شوهد منهم بعد مدد من دفنهم كما هو لم يتغير، فيحتمل بقاؤه كذلك في تربته إلى يوم حشره، ويحتمل أنه يبلى مع طول المدة، والله أعلم، وكأنه -والله أعلم- كلما كانت الشهادة أكمل، والشهيد أفضل، كان بقاء جسده أطول.
وأما القول الفرق بين الميت على فراشه والشهيد: فالشهيد له خصوصية، وإن كان الميت أعلى درجة من كثير منهم كمحمد صلى الله عليه وسلم أعلى من الشهيد من ناحية النبوة، وحمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم شهيد، فله امتياز غير ما يكون للنبي في ناحية، وإن كان أقل من نبيه، وإن كان أقل نبي أفضل من أي شهيد.
ومن المباحث التي تتعلق بعذاب القبر:
سؤال يردده بعض الناس، وهو ما الحكمة في كون عذاب القبر لم يذكر في القرآن، مع شدة الحاجة إلى معرفته والإيمان به؟
والجواب من وجهين: مجمل، ومفصل: