أما العرض، فإنه روي أن عرضه سبعة أذرع، لكن الحديث فيه ضعف. والقائلون بأن الإنسان مركب من الجواهر، وهم أهل الكلام يقولون: إنه مركب من أجزاء من الجواهر الفردة، وهي أجزاء صغيرة غير قابلة للقسمة، ويسمونها بالجواهر الفردة، وهذا مذهب سائر المتكلمين، فإن الأجسام عندهم مركبة من هذه الجواهر المتماثلة، وإنما تتمايز الأجسام بما يخلقه الله فيها من الأعراض، وقد غلا المتكلمون من المعتزلة والأشاعرة في التعويل على نظرية الجواهر الفردة، وهي في الأصل نظرية يونانية قديمة، قال بها ديموكريس الفيلسوف الطبيعي اليوناني، وقد بنوا عليها كثيرا من الأصول الإيمانية، فجعلوها عمدتهم في الاستدلال على حدوث العالم ووجود المحدث له، حتى أن أحد كبار الأشاعرة، وهو القاضي أبو بكر الباقلاني، قد أوجب الإيمان بوجود الجوهر الفرد، بناء على أن الإيمان بوجود الله متوقف على ثبوته، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب كما بنوا على تلك النظرية ما يترتب على حدوث العالم من أن الله، فاعل بالاختيار لا موجود بالذات، كما يقوله الفلاسفة، وأنه لا تأثير لشيء من الأسباب في مسبباتها، بل يخلق الله الأشياء عند وجود أسببابها لا بها، وهكذا انحرف المتكلمون عن الجادة واعتمدوا في استدلالهم على وهم كاذب، ربطوا به مصير العقائد الإيمانية كلها، والجوهر الفرد من العلماء من قال لا وجود له، ومنهم من قال: إنه له وجود، فصار الإيمان بالله عند أهل الكلام، والإيمان بالبعث والمعاد مرتبط بالجوهر الفرد، وهذا من بدع أهل الكلام، ولم يحل الله -سبحانه وتعالى- في الإيمان به والإيمان بالبعث والمعاد إلى الجوهر الفرد.
مما يتعلق بالإيمان بالبعث:
النفخ في الصور:
والنفخ في الصور جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تخيروا بين الأنبياء) ثبت في الحديث في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تخيروني بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور؟) .
وجاء في الحديث الآخر (فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله؟) (إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطشا بقائمة العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله؟) .
فنشأ الإشكال في هذا الحديث، وسبب هذا الإشكال ناشئ من أنه دخل على الراوي حديث في حديث، فركب بين اللفظين، بيان ذلك أن قوله في الحديث: (إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور؟) جاء بعض الرواة، فروى الحديث هكذا: (إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من تنشق عنه الأرض، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور؟) وفي لفظ آخر: (إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله؟) .
ووجه الإشكال: أنه في أول الحديث قال: (يصعقون يوم القيامة) وهذا يدل على أن الناس قاموا من القبور، ووقفوا للحساب، وفي آخر الحديث قال: (فأكون أول من تنشق عنه الأرض) يدل على بدء الخروج من القبور، حيث تنشق عنه -عليه الصلاة والسلام- الأرض، ولم يقف الناس بعد للحساب، فيفسد المعنى بذلك؛ لأن انشقاق الأرض قبل الموقف والصعق في الموقف، ومنشأ الإشكال الوهم من بعض الرواة بإدخال حديث في حديث.
وحل الإشكال رد الحديث إلى أصله، وهو أن صواب الحديث هكذا: (إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق) وليس: فأكون أول من تنشق عنه الأرض. وإنما، وهم بعض الرواة، فأبدل قول، فأكون أول من يفيق بقوله، فأكون أول من تنشق عنه الأرض، وحل الإشكال رد الحديث إلى أصله، الصواب أن هذا وهم من الرواة، وأن هذه اللفظة صوابها: فأكون أول من يفيق. لا، فأكون أول من تنشق عنه الأرض، وكذلك أشكل في الحديث رواية بعض الرواة، فإنه روى في آخر الحديث: (لا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله -عز وجل؟) .
ووجه الإشكال: أنه في آخر الحديث، استثني من صعقة يوم القيامة؛ لأن أول الحديث: (إن الناس يصعقون يوم القيامة) أو هذا في موقف القيامة، ثم قال في آخره، (فلا أدري أفاق قبلي، أم كان ممن استثنى الله؟) فاستثني من صعقه يوم القيامة.
والذين استثناهم الله إنما هم مستثنون من صعقة النفخة، لا من صعقة يوم القيامة كما قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ولم يقع الاستثناء من صعقة الخلائق يوم القيامة، فالصعق الذي استثنى الله فيه في سورة الزمر والنمل، ذلك الصعق صعق تخريب العالم، وسببه النفخ في الصور والفزع، والمستثنى قيل ملك الموت، وثلاثة ملائكة معه.