قال شيخ الإسلام: أنكرتم أن يكون الله متقدما في المكان، فلم تثبتوا أن الله هو الظاهر الذي ليس فوقه شيء، كما أن الفلاسفة أنكروا تقدم الله في الزمان، وأن يكون هو الأول الذي ليس قبله شيء، فأنتم أنكرتم تقدم الله في المكان، فلم تثبتوا أن الله فوق المخلوقات، فصرتم بهذا مماثلين للفلاسفة.
الفلاسفة أنكروا تقدم الله في الزمان، فلم يثبتوا أن الله هو الأول الذي ليس قبله شيء، وأنتم أنكرتم تقدم الله في المكان، فلم تثبتوا أن الله هو الظاهر الذي ليس فوقه شيء، والله تعالى وصف نفسه بهذه الصفات الأربع، وبهذه الأسماء الأربعة متقابلة: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣) } .
ففسرها النبي صلى الله عليه وسلم فسر الأولية بنفي تقدم شيء عليه، وفسر الآخِر بنفي أن يكون بعده شيء، وفسر الظاهر بنفي أن يكون فوقه شيء، فقال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح:(اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء) .
فما الفرق بين كفركم وكفر الفلاسفة؟ الفلاسفة كفروا لأنهم أنكروا تقدم الله في الزمان، وأنتم كفرتم لأنكم أنكرتم تقدم الله في المكان.
فهذه فائدة مهمة في بيان ما عليه أهل البدع من الجهمية والمعتزلة، في إنكراهم علو الله على عرشه، وأنه مماثل لإنكار الفلاسفة، فالفلاسفة أنكروا تقدم الله في الزمان، وهؤلاء أنكروا تقدم الله في المكان.
المسألة الثانية: سبق في مسألة "هل الصفات زائدة على الذات أو ليست زائدة؟ " وقلنا: إنه يفرق بين صفات الله وصفات غيره، فغير الله يقال إن الصفة زائدة على الذات، بمعنى أن لها معنى غير معنى الذات، وإن كان لا يتصور أن هناك ذاتا منفصلة عن الصفات، لكن يفهم من معاني الصفات ما لا يفهم من الذات، فإن أريد أن هناك ذاتا مجردة فهذا ليس بصحيح، وإن أريد أن الصفات لها معنى غير معنى الذات فهذا صحيح.
أما الله -سبحانه وتعالى- فلا يقال: إن صفاته غير ذاته، بل الله -سبحانه وتعالى- بذاته وصفاته هو الله، الله بذاته وصفاته، مسمى الله يدخل فيه الذات والصفات، فلا يقال: إن الصفات غير الذات، فلا يقال: الله وعلمه الله وقدرته.
ولهذا أنكر الإمام أحمد -رحمه الله- في الرد على الجهمية -كتاب الرد على الزنادقة- على أهل البدع لما قالوا: الله وقدرته، الله وعلمه، الله ونوره. قال: لا نقول هذا، لا نقول الله وعلمه، الله وقدرته، الله ونوره. بل نقول: الله بعلمه وقدرته ونوره، هو الحي الذي لا إله إلا هو، هو الله لا إله إلا هو بعلمه وقدرته. ولا نقول: الله وعلمه، الله وقدرته، الله ونوره؛ لأن الواو تفيد المغايرة، بل نقول: الله بعلمه وقدرته ونوره، هو الله الذي لا إله إلا هو.