فالأول: وهو ما كان من باب العلم يسمى كشفا سواء كان عن طريق السماع بأن يسمع العبد ما لا يسمعه غيره ويسمى مخاطبة أو عن طريق الرؤية بأن يرى ما لا يراه غيره يقظة أو مناما، ويسمى مشاهدات أو عن طريق العلم بأن يعلم ما لا يعلمه غيره وحيا أو إلهاما أو فراسة صادقة ويسمى مكاشفة، ويسمى ذلك كله كشفا ومكاشفة أي كشف له عنه.
والثاني: وهو ما كان من باب القدرة إما على الفعل وهو التأثير، وإما على الترك وهو الغنى والتأثير قد يكون همة وصدقا ودعوة مجابة، وقد يكون من فعل الله الذي لا تأثير له فيه بحال مثل هلاك عدوه بغير أثر منه، ومثل تذليل النفوس له ومحبتها إياه.
وكلمات الله نوعان: كلمات دينية، كلمات كونية وكلمات دينية، فكلمات الله الكونية ضابطها هي التي استعاذ بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر) ؛ لأن الكلمات الدينية يتجاوزها الفاجر أما كلمات الله الكونية لا يجاوزها بر ولا فاجر ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) } .
هذه من الكلمات الكونية "كن" من كلمات الله الكونية لا تتخلف إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، وقال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} كلمات الله الكونية لا تتبدل والكون كله داخل تحت هذه الكلمات وسائر الخوارق الكشفية والتأثيرية داخلة تحتها.
النوع الثاني: الكلمات الدينية، وهي القرآن وشرع الله الذي بعث به رسوله، وهي أمره ونهيه وخبره وحظ العبد منها العلم بها والعمل والأمر بما أمر الله به كما أن حظ العبد عموما من الكونيات والشرعيات وخصوصا من الأول العلم بالكونيات والتأثير فيها أي بموجبها، فالأولى قدرية كونية، والثانية شرعية دينية.
كلمة الله الأولى قدرية كونية والثانية شرعية دينية، والخارق يتنوع إلى نوعين الكشف والتأثير، فإذن الكلمات نوعان قدرية كونية وشرعية، والخارق نوعان كشف وتأثير، ويتنوع الخارق باعتبار تنوع كلمات الله الكونية والدينية إلى أربعة أنواع: النوع الأول: كشف كوني. الثاني: كشف ديني. الثالث: تأثير كوني. الرابع: تأثير ديني.
فكشف الأولى العلم بالحوادث الكونية فقد يكشف له أو لغيره من حاله بعض أمور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في المبشرات: (هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرَى له) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم (أنتم شهداء الله في الأرض) .
وكشف الثانية: العلم بالمأمورات الشرعية مثل من يعلم بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم خبرا وأمرا ويعمل به ويأمر به الناس، وقدرة الأولى التأثير في الكونيات وتنقسم إلى تأثير في نفسه وإلى تأثير في غيره، فالأول كمشيه على الماء وطيرانه في الهواء وجلوسه على النار، وأكله السم، وهذا لا يدل على الخير بل ربما يدل على الشر إلا إن كان صالحا نجاه الله.
والثاني التأثير في غيره بإصحاح وإهلاك وإغناء وإفقار وقدرة.
الثانية التأثير في الشرعيات وتنقسم إلى قسمين: تأثيره في نفسه بطاعة الله ورسوله والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله باطنا وظاهرا، وتأثيره في غيره بأن يأمر بطاعة الله ورسوله فيطاع في ذلك طاعة شرعية بحيث تقبل النفوس ما يأمرها به من طاعة الله ورسوله في الكلمات الدينية، ومثال ذلك أن يطاع في خروج الجني من المصروع وكذلك يطيعه الإنسي.
سبب حصول الكرامات للأولياء سببه بركة اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي في الحقيقة الكرامة تدخل في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم.
الفرق بين كرامات الأولياء وما يشبهها من الأحوال الشيطانية: بينهما فروق متعددة منها:
أن كرامات الأولياء سببها الإيمان والتقوى، والأحوال الشيطانية سببها ما نهى الله عنه ورسوله من الشرك والظلم والفواحش والقول على الله بلا علم.
ثانيا من أعظم ما يقوي الأحوال الشيطانية سماع الغناء والملاهي وهو سماع المشركين كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} والتصدية التصفيق، والمكاء التصفير، ومن أعظم ما يسبب الكرامة سماع القرآن وتلاوته والعمل به، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحدا منهم أن يقرأ، والباقون يستمعون وهذا السماع هو سماع النبيين وأتباعهم. من أعظم ما يقوي الأحوال الشيطانية.
الثالث الشرط الثالث: - إن من أعظم من يقوي الأحوال الشيطانية تعظيم القبور والموتى، والانقطاع في المغارات والبوادي، ومن أعظم أسباب الكرامة لزوم المساجد التي هي بيوت الله وقراءة القرآن. فالانقطاع إلى المغارات والبوادي والجبال والصحاري، هذا مما يقوي الأحوال الشيطانية.
ولزوم المساجد والإكثار من ذكر الله وتلاوة القرآن، هذا مما من أسباب حصول الكرامة. أقسام الخارق من ناحية حكمه وباب كل قسم.