الخارق للعادة كشفا كان أو تأثيرا ثلاثة أنواع: - محمود في الدين، ومذموم ومباح، فالمحمود في الدين: ضابطه أن يحصل به الفائدة المطلوبة في الدين من إظهار حق، أو إبطال الباطل، فهذا من الأعمال الصالحة المأمور بها دينا وشرعا، إما واجب وإما مستحب كما يحصل للصحابة. والمذموم في الدين: ضابطه ما كان على وجه يتضمن ما هو منهي عنه نهي تحريم، أو نهي تنزيه فيكون سببا للعذاب، أو لجرم كالذي أوتي الآيات فانسلخ منها، بلعام بن باعوراء.
والمباح: ضابطه ما حصل به أمر مباح، فإن كان فيه منفعة كان نعمة من نعم الله الدنيوية التي تقتضي شكرا كتظليل الغمة " لأسيد بن حضير " - رضي الله عنه - وإلا فهو كسائر المباحات التي لا متعة فيها.
الحكمة في إجراء الكرامة، الحكمة في إجراء الكرامة هي أن يزداد الإنسان بما يرى من خوارق العادات وآثار القدرة يقينا، فيقوى عزمه على الزهد في الدنيا والخروج عن دواعي الهوى.
وثانيا إكرام الله لوليه بإغاثته ورفع شدته وكربه أو نصره على عدوه أو إظهار حق أو إبطال باطل.
أقسام الناس تجاه الكرامة: الناس تجاه الكرامة قسمان: الأول:
- القسم الأول: من نفوسهم تتطلع إلى شيء من الكرامات، ويحبون أن يرزقوا شيئا منها، ولعل أحدهم يبقى منكسر القلب متهما لنفسه في صحة عمله حيث لم يحصل له خارق، وهؤلاء كثير من المجتهدين المعتدين الذين سمعوا ما منح به سلف الأمة من الكرامات وخوارق العادات، ولو علموا بسر ذلك، وهو أن الميزان ليس هو الكرامة لهان عليهم الأمر.
القسم الثاني: الصادقون: سبيلهم يطالبون نفوسهم بالاستقامة، فهي كل الكرامة، ولا تتطلع نفوسهم إلى شيء من الكرامات، قال أبو علي الجوزجاني شيخ البخاري وشارح سنن النسائي: " كن طالبا للاستقامة لا، طالبا للكرامة، فإن نفسك متحدثة في طلب الكرامة، وربك يطلب منك الاستقامة ".
هل يضر المسلم عدم حصول الخارق على يديه؟ اعلم أن عدم الخوارق علما وقدرة كشفا وتأثيرا لا يضر المسلم في دينه، فمن لم ينكشف له شيء من المغيبات، ولم يسخر له شيء من الكائنات، لا ينقصه ذلك في مرتبته عند الله، بل قد يكون عدم ذلك، بل قد يكون عدم ذلك أنفع له في دينه، فإن الخارق إذا اقترن به الدين كان نافعا، وإلا هلك صاحبه في الدنيا والآخرة، فإن الخارق قد يكون مع الدين كالمعجزات وكرامات الصالحين، وقد يكون مع عدمه أو فساده أو نقصه كالذي يظهر على يد المسيح الدجال وعلى يد الفساق والفجار.
الخوارق النافعة والرياسات النافعة والأموال النافعة، هي ما كانت تابعة للدين، وخادمة له والرياسة النافعة، هي النافعة للدين، والمال النافع هو النافع للدين، دليل ذلك كما كان السلطان والمال النافع في يد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فمن جعل هذه الأمور الخوارق والسلطان والمال هي المقصودة، وجعل الدين تابعا لها ووسيلة إليها لا لأجل الدين في الأصل، فهو شبيه بمن يأكل الدنيا بالدين، وليس حاله كحال من تدين خوف العذاب أو رجاء الجنة، فإن ذلك مأمور به، وهو على سبيل النجاة، وهو على سبيل النجاة وشريعة صحيحة، وكثير من الصوفية ممن يزعم أن همه قد ارتفع عن أي يكون خوفا من النار أو طلبا للجنة، يجعل همه بدينه أقل من همه بأدنى خارق من خوارق الدنيا.
متى يجب خرق العادة؟ وشرط ذلك أو شروط استلزام خرق العادة، ودليل ذلك، يجب خرق العادة بأمرين:
أولا: التدين يستلزم خرق العادة بأمرين: أحدهما التدين الصحيح.
الثاني: وجود شدة وضيق وضرورة، إذا كان الإنسان مستقيما، ثم حصل عليه الشدة وضيقة، لا بد أن يفرج الله كربه، فالدين إذا صح علما وعملا، فلا بد أن يوجد خرق العادة إذا احتاج إلى ذلك صاحبه، ولو لم يدع الله، بل الحالة النفسية كافية، ولا يكله الله حينئذ إلى نفسه، دليل ذلك من الكتاب العزيز قول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} هذا التدين الصحيح، يجعل له مخرجا هذا الخارق هذا الخارق من باب التأكيد، وقال تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} إن تتقوا الله: هذا التدين الصحيح، يجعل لكم فرقانا، هذا الكشف خارق.
وقال تعالى: {أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (٦٦) وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (٦٧) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (٦٨) } وقال تعالى: {أَلَا إِن أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عليهم وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ}