دليل ذلك ما ثبت في صحيح مسلم وغيره عن معاوية بن الحكم السلمي قال: (قلت: يا رسول الله، أمورا كنا نصنعها في الجاهلية، كنا نأتي الكهان قال: فلا تأتوا الكهان) وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل صلاة أربعين يوما) وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) وأما إن كان يسأل المسئول ليمتحن حاله، ويختبر باطن أمره، وعنده ما يميز به صدقه من كذبه، فهذا جائز كما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم (سأل ابن الصياد، فقال: ما يأتيك؟، قال: يأتيني صادق وكاذب، قال: ما ترى؟ قال: أرى عرشا على الماء، قال: فإني قد خبأت لك خبيئا. قال: الدخ. قال: اخسأ، فلن تعدو قدرك، فإنما أنت من إخوان الكهان)
وكذلك إذا كان يسمع ما يقولون، ويخبرون به عن الجن، كما يسمع المسلمون ما يقول الكفار والفجار؛ ليعرفوا ما عندهم، فيعتبرون به، وكما يسمع الخبر الفاسق، ويتبين، ويتثبت، فلا يجزم بصدقه ولا كذبه إلا ببينة كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} وكما في الحديث: (إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم) فقد جاز للمسلمين سماع ما يقولونه، ولا يصدقوهم، ولا يكذبوهم.
حكم طلب السقيا بالنجم، ونسبة الأحداث إليها وحكم من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا. طلب السقيا بالنجم مايجوز، وهو من عمل أهل الجاهلية، ففي الحديث: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستقساء بالنجوم، والنياحة) ونسبة الأحداث إلى النجم وطلب الاستقساء وقوله مطرنا بنوء كذا وكذا، إن كان يعتقد أنه عند ذلك النجم يحصل المطر، فهذا كفر أصغر، وإن كان يعتقد أن له تأثيرا أن للنجم تأثيرا في إنزال المطر، فهذا كفر أكبر يخرج من الملة، دليل ذلك ما في الصحيحين عن زيد بن خالد - رضي الله عنه - (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إثر سماء كانت من الليل فقال: أتدرون ماذا قال ربكم الليلة؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي، مؤمن بالكوكب)
صناعة التنجيم وحكمها مع الدليل: صناعة التنجيم التي مضمونها الإحكام والتأثير، وهي الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية كالاستدلال بها على موت عظيم، أو ولادة عظيم، أو قيام أمة، أو تولي ملك، أو عزل ملك.
حكمها صناعة محرمة بالكتاب والسنة، بل هي محرمة على لسان جميع المرسلين، الدليل قول الله تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (٦٩) } والتنجيم من السحر، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (٥١) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (٥٢) } قال عمر: الجبت السحر، وهذا تفسير بالبعض؛ لأن الجبت: كل ما لا خير فيه، فمنه السحر، فهو جزء منه.
الواجب على ولاة الأمور تجاه المنجمين والكهان والعرافين وأصحاب الضرب بالرمل والحصى؟ .
الواجب على ولاة الأمور من الحكام والعلماء وكل قادر السعي في إزالة هؤلاء ومنعهم من الجلوس في الحوانيت والطرقات والدخول على الناس في منازلهم؛ لذلك أما الحكام فبإبادتهم وإزالتهم، وأما العلماء فبمنعهم وإزالتهم إن قدروا، وإلا فببيان باطنهم وجدلهم للناس وتحذير الناس منهم، والجلوس عندهم والاستماع لهم، وأما غيرهم فبالنصح وتجنب فعلهم؛ لأن هذا من المنكر العظيم، فيجب إنكاره، وفي الحديث: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه)
وقد ذم الله أهل الكتاب على عدم الإنكار، فقال: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩) }
والسحر يدخل في المنكرات في الدرجة الأولى، وعموم العقوبة بسبب الفعل والسكوت هذا بفعله وهذا بسكوته، فتعم العقوبات والنكبات.
النزاع: نزاع العلماء في حقيقة السحر وأنواعه، هل للسحر حقيقة مؤثرة أم هو ضرب من الخيال؟ الصواب الذي عليه أكثر العلماء وعليه المحققون من أهل العلم أن السحر له حقيقة مؤثرة، وأنه قد يؤثر في موت المسحور ومرضه من غير وصول شيء ظاهر إليه، بسبب لطم الجن له بسبب الإقسام عليه من قبل الساحر، فالساحر يقسم على الجني، والجني يلطم المسحور، فيمرض أو يقتل.